تختلف الكثير من الإجابات حول هذا السؤال من كونها تتعلق بكيفية التكيف مع بيئتك إلى درجة المهارة والإبداع التي ستصل إليهما في هذه الحياة. في عالم أصبحت تهيمن عليه المفاهيم المجردة والنظم والكثير من المعلومات المعقدة التي لم تكن يوماً جزءاً من حياة أسلافنا القدامى “النياندرتال” كما هي اليوم، وبالتالي فإنه ليس من المستغرب كون هذه القدرة مرتبطة بشكل وثيق مع سرعة التفكير والقدرة على التعلم والمعرفة، وبعبارة أخرى يمكن القول أن الذكاء هو القدرة على حل المشاكل من خلال إيجاء أنماط معينة وربط الأفكار فيما بينها بشكل أسرع وأفضل من غيرها..
ولكن يبقى السؤال بعد ذلك: ما هي أفضل طريقة لقياس الذكاء؟ ما الذي تقدمه لنا اختبارات الذكاء؟ على الرغم من أن معظم الناس يكرهون اختبارات الذكاء إلا أن بعض النتائج تكاد تكون قاطعة فيما يتعلق بدرجات اختبار الذكاء من جهة والأداء الأكاديمي والنجاح الوظيفي من جهة أخرى.
إن تسجيل علامة عالية في اختبار الذكاء يمكنه أن يكون باباً لتوقع مستويات نجاح أعلى في مجالات الحياة الأخرى، في الواقع، وعلى الرغم من أن اختبارات الذكاء صممت في البداية للتنبؤ بالتحصيل الدراسي فقط، إلا أن أكثر من قرن من البحث العلمي أظهرت أنها تنبئ أيضا بإنجازات أخرى لم تكن واضحة لنا سابقاً، كالحصول على علاقة عاطفية أفضل وأطول وأكثر سعادة، بعضها يتعلق بالمواهب الفنية، الوضع الاجتماعي والاقتصادي، بل وحتى الصحة وطول العمر. لقد وجدت اختبارات الذكاء في الواقع للتنبؤ بالكثير من الأشياء الذي قد يمر بها الشخص خلال حياته، فضلاً عن بعض السمات الشخصية المتمثلة في ضبط النفس والحكمة ومواجهة المخاطر.
في حين أن العديد من العوامل البيئية وغيرها تلعب دوراً مهماً في هذا المجال إلا أنها لا تعني بالضرورة كونها السبب الرئيسي للذكاء، إذ لا يوجد لدينا الآن طريقة لقياس قدرة شخص ما على التكيف أفضل من اختبارات الذكاء.
هذا لا يعني بالضبط أن تلك الاختبارات هي الطريقة الوحيدة الممكنة لقياس الذكاء لدى شخص ما، في الواقع نحن نقوم بوضع مقاييسنا الخاصة لذكاء شخص ما ولو بعد مدة قصيرة من تفاعلنا معه، إذ عادة ما تأخذ منا بضعة دقائق بعد لقائنا بشخص معين لنحكم على مدى الكفاءة والفاعلية التي يمتلكها، وقد وجد علماء النفس أنه من الصعب لنا تغيير وجهة النظر الأولية التي اتخذناها تجاه الشخص، أي لا توجد أمامنا فرصة ثانية لتغيير الانطباع الجيد المأخوذ منذ البداية. ولكن ليس بالضرورة أن تكون هذه الأحكام خاطئة بالفعل، إذ أثبتت الدراسات بأن تقديراتنا لا تختلف عن درجة الذكاء الحقيقية لأولئك الناس. على سبيل المثال فإن الشركاء العاطفيين، الأصدقاء وزملاء العمل المقربين غالباً ما يمتلكون مستويات ذكاء قريبة من الذي نملكه على الرغم من أننا لم نقم باخيارتهم فعلياً على هذا الأساس.
على سبيل المثال، عندما يُطلب منك تقدير درجة ذكاء زملاء الدراسة أو العمل فإنه من غالب الأحيان أن تكون تلك التوقعات صحيحة بالفعل، ولكن من الناحية الأخرى فإن الناس يميلون إلى أن يكونو أقل دقة في تقدير مستوى الذكاء الخاص بهم، ما يعني أننا نظن أنفسنا أكثر ذكائنا مما نحن عليه بالفعل. إن مدى كون الشخص ذكياً بالفعل لا يعتمد بالضرورة فقط على درجة اختبار الذكاء الخاصة به، إذ أنه توجد الكثير من العوامل الأخرى التي من شأنها تحديد ذلك، على سبيل المثال فإن الأشخاص أصحاب الذكاء العاطفي هم القادرون على المرور بسلاسة خلال المواقف العاطفية العصيبة، وأن التفكير النقددي هو وليد الإنفتاح على التجارب والإستفادة منها.
قد نعتقد أحياناً بذكاء شخص ما رغم عدم كونه كذلك في الواقع، إلا أننا لا نغير من طريقة تعاملنا معه كما لو كنا نظنه ذكياً بالفعل، إذ أن الذين يحصلون على درجات عالية في اختبارات الذكاء ليس من الضرورة أن يكونوا أذكياء بالفعل، والعكس صحيح، يوجد الكثير من الناس غير الناجحين في حياتهم رغم حصولهم على درجات عالية في اختبارات الذكاء. ولكن في النهاية، يبقى من الخطأ الظن بأن نجاح بعض الأشخاص هو انعكاس لمدى ذكائهم، تذكر بأن هنالك العديد من العوامل الأخرى اتي من شأنها التأثير حيال الأمر.. الحياة العملية هي اختبار الذكاء الحقيقي!.
اضافة تعليق