يشكل القتلة المتسلسلون مصدرًا لإعجاب العديد من الناس، بسبب الروايات أو المسلسلات التلفزيونية أو الأفلام، ولكن لو صدقت هذه الوسائل الترفيهية لظننا أن هانيبال ليكتر حالة متكررة في الولايات المتحدة على سبيل المثال، ولكن لحسن الحظ، فإن هذه الحالات أقل انتشارًا في الواقع مما هي عليه في المسلسلات التلفزيونية و الأفلام، إلا أن الضرر الذي يلحقوه المصابين بالاضطراب النفسي، العنيفين منهم و الغير عنيفين، جعل منهم مثار اهتمام الأوساط العلمية، حتى أن بعض الدراسات تقول أنه من الممكن اكتشاف الشخصية المريضة نفسيًا السايكوباتية منذ عمر التاسعة. و كطريقة أخرى لاكتشاف السبب الذي يجعل اعتلال الشخصية النفسي إحدى تصنيفات اضطراب الشخصية، قام المدرس في قسم علم النفس و الطب النفسي في جامعة شيكاغو جين ديكتي بقيادة دراسة حول هذا الموضوع و حول الخلط بينه و بين اضطراب السادية الجنسية.
الاضطراب العقلي النفسي و السادية: تخلط الأفلام الهوليوودية دوما بين المصاب بالاضطراب العقلي النفسي الذي يتميز صاحبه بالأعصاب الباردة و عدم التعاطف و القدرة على التلاعب، و صاحب الشخصية السادية الذي يتميز بحبه للإثارة الجنسية المستمدة من آلام الآخرين، و لكن في الواقع هما اضطرابين مختلفين تمامًا، و يقول الباحث ديكتي:” إذا نظرنا إلى لأفلام، فهي تجسد أشخاص يجمعون بين المرضين، ولكني لست متأكدًا إذا كان هذا واقعيًا”.
نشر مؤخرًا ديكتي و فريقه دراسة تتألف من صور لأدمغة خمسة عشر متحرش جنسي عنيف، ثمانية منهم تم تصنيفهم كسادي جنسًا، كما أن البحث أقصى عمدًا المصابين بالاضطراب العقلي و النفسي ليستطيعوا إيجاد اختلافات دماغية بين الاثنين و مميزات دماغية للمرضى بالسادية. عرض للمشاركين في الدراسة صورًا تتضمن العنف و الألم مقابل صور عادية، مثل صورة لشخص يطعن يد شخص آخر بمقص ليثبتها على الطاولة مقابل صورة لشخص يطعن طاولة فارغة، و صورة لشخص يصفق باب السيارة و إما يصيب شخصًا آخر أو لا يصيب أحدًا. عند عرض الصور التي تحتوي على العنف و الألم، أظهر الساديون تفاعلًا أكبر من غيرهم في اللوزة الدماغية، و هي قسم من الدماغ مرتبط بالمشاعر القوية، و كما شعر الساديون بالألم الذي تختبره الضحية بشكل أكبر مما شعر به الأشخاص الغير ساديين الخاضعين للدراسة، و كلما كبر شعور السادي بأن الألم الذي تختبره الضحية أكبر، ازداد النشاط في جزء دماغي آخر يدعى الإنسولا، و هو قسم مسؤول عن التحكم بمشاعر الشخص الذاتية و حالته الجسدية.
يقول ديكيتي:” عندما تنتابك مشاعر بالقرف أو الألم أو المتعة و حتى النشوة الجنسية، تقوم الإنسولا بعمل دقيق لجلب تلك المشاعر الجسدية المادية إلى الوعي لتشعر بها.”، تقول دراسة ديكيتي أن الساديون يظهرون اهتمامًا كبيرا بما تشعر به ضحيتهم، فإنهم يختبرونها بشكل مباشر و يستثارون عبرها، إلا أن المصابين بالاضطراب العقلي النفسي(السايكوباتيون) يميلون إلى أن يكونوا غير مبالين بمشاعر الغير، فيقول ديكيتي:” إذا عشت مع شخص سايكوباتي و بكيت لأنه غير مهتم بك فإن ذلك لن يعني له شيئًا، فهو لن يتأثر و لن يهتم لأنه لا يشعر بأي شيء مما تشعر به أنت، الساديون يشعرون، و يفهمون أن ضحيتهم تشعر بالألم”.
الاضطراب النفسي و العقلي (السايكوباتي) و اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع: في دراسة أخرى كان هدفها توضيح كيفية عمل الدماغ السايكوباتي، قام الباحثون في جامعة King’s College في لندن بالبحث في الفروق بين الأشخاص المصابين بالاضطراب العقلي النفسي و بين المصابين بنوع آخر من اضطرابات الشخصية الخطيرة، و هو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع. يوضح الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية و دليل الطب النفسي التشخيصي، أن السايكوباتية هي حالة قصوى من حالات اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، لكن بدأت الأبحاث الحديثة مؤخرًا بالتأكيد على أنهما حالتين منفصلتين. يقول الباحث نيل بلاكوود واصفًا الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع:” إنهم مندفعون و عصبيون و ذوي طباع حادة، فهم يلجؤون للعنف عندما يشعرون بالتهديد –قد يكون التهديد موجودًا أو غير موجود- ظنًا منهم أنه طريقة لحل المشكلة، وبعد استخدامهم للعنف قد يختبرون مشاعر الذنب و الندم كما يشعرون بالقلق و يصابون بحالات الأرق و الاكتئاب و استخدام المواد المخدرة، و من جانب آخر فإن الأشخاص السايكوباتيين قد يكونون عدوانيين و عنيفين أيضًا كما قد يلجؤون لاستخدام المواد المخدرة، إلا أنهم لا يشعرون بالندم و يخططون لهجماتهم بدم بارد”. و يوجد نقطة اختلاف أخرى و هي أن كلا المصابين بهذين الاضطرابين قد يكونوا قد تعرضوا إلى سوء المعاملة في الطفولة، ولكن على عكس المصابين باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، فإن السايكوباتيين لا يظهرون أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، بل لا يظهرون سوى القليل من القلق و عمليًا لا يمتلكون مشاعر الخوف، وبالمقارنة، فإن مسح الدماغ بين أن دماغ السايكوباتيين يحتوي على منطقة ذات حجم أقل من المعتاد تدعى القشرة الجبهية و منطقة أخرى تدعى القطب المؤقت، هذه المناطق مسؤولة عن فهم مشاعر و أحاسيس الشخص نفسه و مشاعر الآخرين أيضًا.
متى يبدأ الاضطراب العقلي النفسي؟ تعود جذور جميع الأمراض المعادية للمجتمع و اضطرابات الشخصية إلى مرحلة الطفولة بالإضافة إلى وجود استعداد جيني، فبعض الأطفال يولدون مع نزعات معادية للمجتمع مما يؤدي إلى صعوبة التعامل معهم و تربيتهم، و بعض هؤلاء الأطفال سيكبروا ليصبحوا مصابين بالاضطراب العقلي السايكوباتي، وهم الأطفال الذين لا يبدون أنهم يشعرون بالخطر تجاه الآخرين، ولكن لحسن الحظ فإن ثلث واحد على الأقل من هؤلاء الأطفال يصبحون أشخاص طبيعيين فيما بعد دون أن يطوروا أي مرض من الأمراض النفسية.
هل يمكن لهذا الاضطراب أن يشفى؟ بما أن البالغين و الأطفال المصابين بهذا الاضطراب لا يخشون العقاب الجسدي أو الاجتماعي فمن الصعب جدًا السيطرة عليهم، في حين أن اضطراب السلوك البسيط يمكن أن ينجم عن وجود نزعات معادية للمجتمع ويثار بسبب النشأة في منزل عنيف أو فوضوي، وبالتالي يمكن مساعدة الطفل في كثير من الأحيان عن طريق معالجة هذا الوضع. ولأن الأطفال السايكوباتيين لا يستجيبون للعقوبة، فإن العلاجات القائمة على المكافأة تعمل بشكل أفضل بالنسبة لهم، ونتيجة لذلك، يدعم ومعظم الخبراء الآخرين إجراء تشخيصات دقيقة للتأكيد على الاختلافات بين شخصية المصاب باضطراب معاداة المجتمع والمرضى النفسيين ذوي الدم البارد، أو لدى الأطفال الذين يعانون من اضطراب السلوك العادي والذين يعانون من الاضطراب النفسي العقلي. هذه التصنيفات لا تخبرنا سبب أن ينمو الطفل ليصبح مريضًا نفسيًا في حين يصبح آخر معادي للمجتمع، أو لماذا يطور بعض الساديين مرض المازوشية أيضا، ولم تتضمن الأبحاث ساديين لم يكونوا من مرتكبي الجرائم الجنسية، لكن سيدرس الباحثون الفروق بين الأطفال الذين يطورون مرضًا نفسيًا و بين الذين يستطيعوا السيطرة على ميولهم.
اضافة تعليق