لماذا تَبقى بَعض النِّساء اللَّواتي يتعرضنَ للضَّرب في هذه العَلاقات المُتعسِّفة؟ والسُّؤال الأهم، لماذا يضرُب بَعض الرِّجال زَوجاتهم أو صَديقاتهم أساسًا؟ يدّعي النقّاد بأنّ تَفسيرات علم النّفس التّطوري غير قابِلة للاختِبار ولا يُمكن دَحضها ما عدا مثال واحد عن قابليّة اختبار هذه التّفسيرات، ونَستعرض هنا تَفسيرَين مُتنافسَين للعُنف المَنزلي تمّت صياغتُهما من قِبَل اثنين من كِبار الباحثين في علم النّفس التّطوري.
عندما بَدأ مارتن دالي Martin Daly والرّاحل مارغو ويلسون Margo Wislon بدراسة العُنف المَنزلي وقَتل الزَّوجة في أوائِل الثَّمانينات كانت لَديهِم تَفسيرات مُتنافِسة، حيثُ افتَرضَ دالي أنًّ العُنف المَنزلي وقَتل الأزواج أدَّى إلى عَدم تَقدير الزَّوج لزَوجته بما فيه الكِفاية وإساءة مُعاملتها نتيجةً لذلك وبما أنَّ خُصوبة الزّوجة وقيمتها الإنجابيّة تَنخفض مع التقدُّم بالسِّن توقَّع دالي أن الزَّوجات الأكبَر عُمرًا والأقل قيمة عرضة لخَطَر الاعتِداء الزَّوجي من الزَّوجات الأصغَر والأكثَر قيمة، وفي المُقابل افترَضَ ويلسون أنَّ العُنف المنزلي نتيجة ثانويّة بسبب ميل الرَّجل للحِفاظ على زَوجته والتَّأكد من أنها لا تُقيم علاقات مع رِجال آخرين ولأنَّه على الرَّجل أن يكون أكثَر حَركة في حماية الزَّوجات الأصغَر سنًا والأكثر قيمة، وتوقَّع ويسلون أنَّه ولهذا السَّبب فإنَّ الزَّوجات الأصغّر أكثّر عرضة للعُنف والقَتل.
يستخدم كِلا التَّفسيرين مَنطقًا نَفسيًا تَطوريًا لا تَشوبُه شائِبة مُستمدًا من المَبادئ الأولى المَعروفة ويمكن أن يكون كِلاهُما صَحيحًا في آن واحد، ولذلك على دالي وويلسون العَمل كما كانوا دائمًا يفعَلان كعالِمين عَظيمين على جَمع البَيانات المُتعلِّقة بالعنف المنزلي وقَتل الزَّوجة في كَندا والولايات المتحدة ليضعا الفَرضيتين المُتنافِستين موضِع الاختبار التَّجريبي، أظهَرت الدِّراسة أنَّ الزَّوجات الأصغَر عمرًا كنَّ عرضة للعُنف المَنزلي والجَريمة وفي النهاية ظهرت صحّة تَوقُّعات ويلسون، فهل كانت التَفسيرات النَّفسية التَّطورية غير قابِلة للاختبار؟ ربّما يُفكر القارئ، ولكن الزَّوجات الأصغَر سنًا غالبًا ما يتزوجن من الرِّجال الأصغَر سنًا والذين يُعدون أكثر عُنفًا من كبار السّن، كما تُشير هذه المُناقشة في منحنى العُنف والجَريمة، ولذلك فإنَّ النِّساء الأصغَر سنًا يتعرَّضن لخطَر أكبَر من سوء المُعاملة الزَّوجية لأنَّ أزواجهنّ ما زالوا شبابًا وبالتَالي أكثَر عنفًا.
في حين أنَّهُ من الصَّعب فَصل آثار عمر الزَّوج وعمر الزَّوجة وترابطهما إلى حد بعيد حيثُ تُظهر إحصائيّات تَحليلية دَقيقة أنَّ معدَّل عمر الزَّوجات هو تقريبًا ما يُحدِّد وقوعهنّ ضَحيّة الاعتداء الزَّوجي والقَتل والجَريمة، فالأزواج في مُنتصف العمر في كندا (45 – 54) سنة والمُتزوجين من زوجات أصغَر سنًا بين (15 – 24) سنة يُظهرون معدَّل جريمة أعلى بستّة أضعاف من الأزواج في نفس العمر (15 – 24)، وفي حالات الزَّواج القّانونية الشَّائِعة فإن الأزواج في مُنتصف العمر تَرتفع لديهم نسبة قَتل زَوجاتهم الشَّابَّات من الأزواج الشَّباب بحوالي 45 مرة، إن تَأثير عمر الزَّوجة قَوي لدرجة أنه قادر على عَكس وحتى إِلغاء نسبة العنف لدى الزَّوج مع التَّقدم في العمر.
وهكذا وفي حين أنَّ الرِّجال الأصغَر سنًا عمومًا هُم أكثَر عنفًا وارتَكبوا جرائِم قَتل أكثَر إلى حد بَعيد من الرِّجال الأكبر سنًا فإن كلا الصّنفين يقتلون أنواعًا مُختلفة من الناس حيث يقتُل الشُّبان شُبانًا آخرين – مُنافسيهم الجنسيين الذّكور – ويقتل الرِّجال الأكبر سنًا زوجاتهم ونتيجةً لذلك تَنخفض نسبة الضَّحايا الرجال مع زيادة عمر القاتِل، وبالنِّسبة للقَتَلة الذين تَتَراوح أعمارُهم بين 15 و 19 سنة فإنَّ نسبة 86.3% من ضَحاياهم هم من الذُّكور وبالنّسبة للقَتلة الذين تَتَراوح أعمارُهم بين 65 و 96 فإنَّ نسبة 51.4 فقط من ضحاياهم ذكور.
اضافة تعليق