لطالما تواجدت تساؤلات حول النشوة الجنسية والغاية منها عند المرأة، فقد بدا حديثًا أنّ العلماء متفقين على أنّها منتج تطوري عارض لأهمية وجودها عند الذكور بمنظور مشابه لامتلاك الذكور لحلمات بسبب امتلاك الإناث لها، فكما تشرح إليزابيث لويد(Elisabeth Lloyd) وهي فيلسوفة في العلم وعلم الأحياء النظري في جامعة إنديانا في كتابها الصادر في 2005 النشوة الجنسية عند المرأة: انحياز في علم التطور The Case of the Female Orgasm: Bias in the Science of Evolutionبأنّ الإناث يحصلن على الأنسجة الانتصابية والعصبية اللازمة لحدوث النشوة الجنسية بسبب الضغط الانتخابي القوي والمستمر لنظام توصيل النطاف المرتبط بالنشوة الجنسية والقذف عند الذكور، ومع ذلك يبقى الجدل واسعًا حول فائدة بقائها عند الإناث.
بحسب ما سبق نستنتج أن الانتقاء تماشى مع تواجد النشوة الجنسية عند الذكور لأنّ ذلك سيشجعهم على زيادة نشر ذريتهم، وبالمقابل يمكننا القول بسهولة أنّ الإناث أيضًا تحدث لديهن النشوة الجنسية لنفس السبب أي لتشجعيهم على ممارسة الجنس وإنجاب الأطفال، ولكن هذا الأمر لا يبدو واضحًا عند النظر للناحية العملية، فالنشوة الجنسية عند الإناث صعبة التحقيق بشكل كبير مقارنةً بالذكور، كما يوجد تباين واسع في حدوثها فحوالي نسبة 10% من النساء لم يشعرن بها على الإطلاق في حياتهم الجنسية، وبعكس الذكور فالنشوة الجنسية عند الإناث لا تعتبر شرطًا أساسيًا لحدوث الحمل.
إذًا فالسؤال المهم هنا: ما سبب وجود النشوة الجنسية عند الإناث في الأساس؟ في هذا الشأن يتواجد لدينا معسكران رئيسيان مختلفان، فالمجموعة الأولى تقول أنَّ لها وظيفة تكيفية تطورية تندرج تحت أحد الفئات التالية: الترابط الزوجي، اختيار الشريك، والخصوبة العالية. لنفصّل نظريات المجموعة الأولى قليلًا؛ تقترح نظرية الترابط الزوجي أنَّ النشوة الجنسية عند المرأة تقوّي الصّلة بين الشريكين وتطمئنهم حيال ذريتهم، في حين أنّ نظرية انتقاء الشريك تقول بأنّ الإناث تستخدم النشوة الجنسية كنوع من الاختبار لتقييم “جودة” الشركاء، أمّا نظرية الخصوبة العالية فتقترح أن الانقباضات الرحمية التي تحدث خلال النشوة الجنسية تعمل على شفط النطاف (سحبها للأعلى) للرحم مما يزيد احتمالية التلقيح.
بينما تدعي المجموعة أو المعسكر الثاني بأنّ النشوة الجنسية عند الإناث ما هي إلا منتج تطوري عارض لانتقائها عند الذكور وليست تكيف تطوري، إذ تشرح لويد بأنّه لا يوجد أي دليل يوثق الصلة بين النشوة الجنسية عند الأنثى وحصولها على ذرية أفضل أو أكثر. هذا الاختلاف بين المعسكرين قد ازداد بعد نشر دراسة بدت أنها تستبعد نظريات المعسكر الثاني، ففي هذه الدراسة قام باحثون من أستراليا وفنلندا بسؤال حوالي 10000 ذكر وأنثى فنلنديين من التوائم والأخوة حول بلوغهم النشوة الجنسية، حاولوا من خلال ذلك إيجاد تشابهات فيما يخص النشوة الجنسية عند التوائم الكاذبة المختلفة الجنس، فإذا كانت نظرية المعسكر الثاني صحيحة فالتشابهات يجب أن تكون موجودة، وطبقًا للاختلافات الموروثة فيما يخص النشوة بين النساء والرجال فقد كانت أسئلة الإناث تتمحور حول عدد المرات التي يصلون فيها للنشوة عند ممارسة الجنس وعن مدى صعوبة تحقيقها، بينما أسئلة الذكور كانت عن المدة التي يحتاجونها حتى يبلغوا النشوة خلال الجماع وعن عدد المرات التي شعروا أنهم قد قذفوا بشكل سريع أو بطيء جدًا.
في الدراسة السابقة وجد الباحثون تشابه قوي بما يتعلق بالنشوة الجنسية عند التوائم الحقيقية وتشابه أقل لكنه لا يزال مهم عند التوائم الكاذبة والإخوة من نفس الجنس، في حين لم يجدوا أي صلة عند التوائم الكاذبة المختلفة الجنس. يشرح الباحث بريندن زيتش (Brendan Zietsch) وهو أحد القائمين على الدراسة بأنّ عملهم يظهر تأثُّر النشوة الجنسية بالجينات ومع هذا لا يوجد ترابط فيما يخص وظيفة النشوة الجنسية عند اختلاف جنس التوأم، فقابلية حدوث النشوة عند الإناث لا ترتبط بالنشوة عند أخواتهم الذكور، وبذلك فهذه الدراسة لا تتوافق مع النظرية التي تقترح بأنّ النشوة عند المرأة ما هي إلا منتج تطوري عارض. يقول زيتش بأنّه لا يميل لأي نظرية ولكنه يعتقد أنّ النشوة الجنسية قد تشجّع الأنثى على الدخول في علاقات أكثر وزيادة عدد مرات الممارسة على الرغم من عدم وجود ما يثبت ذلك كما أشير سابقًا، ويضيف شارحًا أنه قد أظهر مسبقًا في أبحاث أخرى وجود رابط أو صلة ضعيفة بين النشوة الجنسية عند الأنثى وشهوتها الجنسية أو اللبيدو، لذلك فالضغط الانتخابي للنشوة عند الأنثى ضعيف، وهذا ما قد يفسّر ندرة أو عدم إحساس العديد من النساء بها.
توافق لويد وأنصار المعسكر الثاني على احتمالية وجود ضغط انتخابي ضعيف للنشوة الجنسية عند الأنثى، ولكنه غير كافي للحفاظ على بقائها خلال حقب تطور الإنسان، وإن كانت النشوة عند الأنثى لها فوائد إنجابية فما ذلك سوى نتيجة مصادفة أو حادث سعيد، وعلى نحو غير مفاجئ فلويد لها تحفظاتها على الدراسة السابقة إذ تعتقد أنّه لا يمكن مقارنة صفات النشوة بين الجنسين المختلفين ويؤيدها كيم وولن (Kim Wallen) وهو عالم غدي عصبي سلوكي-علم يدرس العلاقة بين علم الأعصاب والغدد وتأثيرها السلوكي- من جامعة إيموري إذا يقول شارحًا: ” تخيّل أنني أريد مقارنة الطول عند الرجال والنساء. عند النساء سأقوم بقياس الطول من الرأس وحتى أخمص القدم بينما عند الرجال سأقيس مدى سرعتهم بالوقوف. هل سأكون متفاجئًا عندما أجد تشابه في القياس بين التوائم الحقيقية بكل جنس بينما لا أجد أي علاقة أو تشابه عند التوائم الكاذبة مختلفة الجنس؟ نتيجة كهذه كانت متوقعة وغير مفاجئة تمامًا. زيتش وسانتيلا-الباحثة الأخرى- قاموا بتجربة مشابهة لما ذكرت ولكنهم استخدموا النشوة عوضًا عن الطول.”
أشار وولن أيضًا إلى وجود بحث سابق أظهر أنّ الضغط الانتخابي القوي للصفات يعطي مدى تقلّب أو تنوّع صغير أمّا الضغط الانتخابي الضعيف لصفة ما يبدي تنوّع واسع، وبالإسقاط على وضع النشوة الجنسية عند الإنسان فالذكور يصلون للنشوة الجنسية عند الجماع تقريبًا بشكل دائم بينما قابلية وصول الأنثى للنشوة الجنسية عند الجماع فيختلف بشكل كبير أي أنّ النشوة الجنسية عند الجنسين خاضعة لدرجات مختلفة من الضغط الانتخابي، وكمثال آخر على ما سبق حجم القضيب والمهبل- الضروريان بشكل طبيعي للإنجاب- يبديان اختلافات ومدى تنوّع ضئيل، وهذا يقترح أنهما خضعا لضغط انتخابي كبير بينما طول البظر فيختلف ضمن مدى تنوّع واسع.
لا بد من إيضاح أنّ زيتش وسانتيلا كانوا مدركين ومعترفين بحدود دراستهم، فمن الواضح أنه يوجد الكثير من العمل الذي يجب القيام به، إذ يقول زيتش: “اكتشاف وظيفة النشوة الجنسية عند المرأة في حال وجود أي وظيفة ربما سيتطلب عينات وراثية ضخمة وغنية بالمعلومات، بيانات الخصوبة، ومعلومات مفصّلة عن السلوك الجنسي، معدل النشوة الجنسية متضمنين الظروف والشركاء الجنسيين.”
في دراسة أخرى نشرت في دورية الهرمونات والسلوك(Hormones and Behavior)؛ وجدت أنّه كلما كان البظر أبعد عن الفتحة البولية كلما كانت احتمالية وصول الأنثى للنشوة الجنسية أقل خلال الجماع، وفي هذا الشأن تشرح لويد أنّه إذا تم استقصاء ذلك أكثر في المستقبل فإنّه قد يقودنا إلى أنّ قدرة الأنثى على الوصول للنشوة الجنسية يتعلق بصفات تشريحية متنوعة تعتمد على مقدار تعرّض الجنين للهرمونات الذكرية في الرحم، وصفة كهذه قد تخضع بسهولة للانتقاء إلا أنّ هذه يحتاج إلى الاختبار بشكل أوسع.
أما آخر الدراسات فقد توصلت إلى أنّ النشوة الجنسية عند الأنثى ما هي إلا بقايا تطورية، إذ وجد الباحثون أنّ أصل النشوة الجنسية عند الأنثى هي الدورة المبيضية المحرّضة للإباضة عند أنواع الحيوانات الثديية المشيمية البرية الأخرى كالأرانب، هذه الدورة أصبحت عفوية لدى نوعنا وباقي أنواع الرئيسيات ولا تحتاج للتحريض، أي أنّ ذلك مشابه تقريبًا لقولنا أنّ الزعانف هي أصل الأطراف، ولكن هذه الدراسة كما غيرها تواجه بعض الانتقادات وتحتاج إلى المزيد من الاستقصاء، وهذا ما يدفعنا للقول بأنّنا نحتاج المزيد من الأبحاث والدراسات لفهم الحياة الجنسية عند الأنثى وإدراك تفاصيلها.
اضافة تعليق