إن الموسيقى والأغاني أمر عذب محبب للنفس، بأنواعه وتفصيلاته المختلفة. وسواءً كنت مستمعًا للأغاني ومتابعًا لأحدث الإصدارات أم كنت لا تسمعها وتسمع منها دون إرداتك في المواصلات أو الراديو، فيحتمل أنك قد مررت بتجربة تشبث إحدى الأغاني في عقلك بعد سماعها وترددها مرة بعد مرة، تسمى الأغاني التي تفعل ذلك مجازًا بـ«ديدان الأذن earworm»، دون قدرتك أن تقذفها خارج دماغك، فما هو السبب العلمي لحدوث ذلك؟ وما نوع الأغاني الذي تحدث معه تلك الظاهرة؟ وكيف يمكننا التخلص منها؟
أجريت القليل من الدراسات لاستكشاف ذلك، بدايةً يظهر أن تلك الأغاني لديها سمات مشتركة تجمعها، فإنها تكون أغاني قمت بتكرار سماعها كثيرًا وهذا يفسر لمذا نسمع على الراديو قوائم «أفضل 10 أغاني عالقة بالذهن». إنها تحتوي على نوتات موسيقية متكررة، أو فواصل غير متوقعة، لديها إيقاع مميز، وأنماط معينة للنغمات. تقول كيلي جاكوبوسكي باحثة الدكتوراة في جامعة دورهام في المملكة المتحدة: «إن الاستنتاج العام لهذه الأغاني هو أنها بسيطة بما فيه الكفاية لكي يتمكن الدماغ من تكرارها عفويًا، ولكنها تحتوي أيضًا على سمة مميزة لكي يرغب الدماغ في تكرارها من الأساس».
يشير العلماء لهذه الظاهرة من تكرار رنين الأغنية في مخيلتك بـ«التصور الموسيقي اللاإرادي» ففي دراسة نُشرت عام 2012 في مجلة سيكولوجيا الموسيقى Psychology of Music وجدت أن 90% من مستخدمي الإنترنت الفنلنديين أظهروا أن أغنية واحدة على الأقل قد علقت بأذهانهم خلال أسبوع. فكلما كان الشخص أكثر سماعًا للموسيقى كلما علقت بذهنه أغانٍ أكثر. وفي دراسة أخرى عام 2006 أظهرت سماع عازف بيانو وموزع موسيقي مقطوعة موسيقية متكررة تقريبًا طوال 24 ساعة فيما يعرف بالمقطوعة الموسيقية الدائمة perpetual music tracks. والتي لم تكن ممتعة لهم على الإطلاق بل كانوا يريدون التخلص منها في أقرب وقت.
إن الدماغ يتفاعل مع الأغاني المسموعة حديثًا أو بشكل متكرر لتصبح بعد ذلك «دودة في الأذن» يصعب التخلص منها، وذلك حسب نتائج الدراسات المنشورة في مجلة سيكولوجيا الموسيقى. حيث لم يحتاج المشاركون في الدراسة للتفكير كثيرًا في الأغاني لكي تتردد في أذهانهم، وحتى أن الباحثين قد سألوا المشاركين عدة أسئلة حول تلك الأغاني محاولة منهم لجعلهم يفكرون بشكل أعمق في هذه الظاهرة، إلا أن ذلك لم يمنع أن تلك الأغاني قد ترددت في مسامعهم على أي حال.
ما هي نوعية الأغاني التي يمكن أن تصبح كذلك؟ وجدت الدراسات المنشورة في المؤتمر الدولي لإدراك الموسيقى عام 2012 أن تلك الأغاني تتميز بكونها تحتوي على نوتات موسيقية طويلة، وفواصل قصيرة بين النغمات، وذلك يعني أن تلك النوعية من الأغاني يسهل غنائها من المستمع. أما في بحث جاكوبوسكي فإن الأمر مختلف قليلًا، حيث لم ترتبط تلك الظاهرة بنوعية معينة من الأغاني بقدر ارتباطها بمدى سهولة غناء المقطوعة الموسيقية. وذلك بناءًا على استطلاع أجري بين الأعوام 2010 و 2013 بمجموعتين متشابهتين من الأشخاص يستمعون لأغاني متشابهة، وهم لم يمروا بظاهرة تعلق الأغاني بأذهانهم، ووجدت الدراسة أن أغاني المطربة ليدي غاغا تنتج تلك النوعية من الأغاني، مثل أغانيها Bad Romance” ” و “Poker Face”.
كما يتضح أيضًا أن تلك الأغاني العالقة تتميز بالإيقاع السريع عن غيرها، وتتشارك فيما بينها بأنماط النغمات الغربية. كما أن هناك سمات أخرى غير متوقعة وجدها الباحثون تساعد الأغنية لكي تعلق في الذهن، مثل احتوائها على انتقالات مفاجئة بين النغمات عن المتوقع لأغاني البوب.
لماذا يكرر الدماغ تلك الأغنية في مسامعنا؟ يبدو أن هناك ميل لأشخاص معينة لحدوث تلك الظاهرة. فالموسيقيون على سبيل المثال أكثر عرضة لتعلق المقطوعات الموسيقية في أذهانهم عن غيرهم غير الموسيقين. كما وجدت دراسة أخرى أن الأشخاص المعرضين لاضطراب الوساس القهري هم أكثر عرضة أيضًا لسماع تكرار تلك الأغاني في أذهانهم.
كيف يقوم الدماغ بتكرار تلك الأغاني؟ نشرت دراسة في مجلة ناتشر عام 2005 تكشف أن القشرة السمعية في الدماغ، وهي المسئولة عن معالجة الأصوات، تتفعل بشكل لاإرادي عندما يستمع المشاركين إلى أغاني مألوفة قد قُطع منها بعض الأجزاء؛ وكأن الدماغ يحاول أن يبقي تلك الفراغات ممتلئة.
كيف يمكنك التخلص منها؟ من الواضح أن ظهور تلك النغمات بشكل لاإرادي في أذهاننا، يجعل الأمر صعبًا أن نحاول التخلص منها إراديًا. فإن محاولة التخلص من تلك الأغاني بزيادة التفكير فيها تزيد الوضع سوءً. بدلًا من ذلك، أشارت دراسة منشورة عام 2015 في مجلة Quarterly Journal of Experimental Psychology أن ممارسات بسيطة أخرى مثل مضغ العلكة يساعد في التخلص من تلك النغمات. حيث إن ذلك يؤدي إلى شغل الفك والذي هو جزء جوهري من عملية الغناء، مما يشتت الدماغ عن إكمال وظيفة الغناء التخيلي التي كان يقوم بها في السابق.
اضافة تعليق