كيف حصلت أمريكا على اسمها؟ يبلغ سكان العالم اليوم ما يقارب ال7.4 مليار نسمة، وجميعهم سمعوا بالولايات المتحدة الأمريكية، كقوة عظمى مهيمنة خلال القرن الماضي، والنسخة المختصرة –أمريكا- ، يمكنها إثارة الفخر أوالإعجاب أوالخوف أو الحسد، أو الارتياب في عقول الأشخاص في كل زاوية من العالم، وكما يعلم كل طفلٍ في أمريكا، كان كريستوفر كولومبس أول من اكتشف البلاد عام 1492.
إذًا لمَ لم تسمى البلد بكولومبيا؟
حكاية أميرغو فيسبوتشي الغريبة: اشتهر العمل البطولي لكريستوفر كولومبوس لدى معظم أطفال المدارس، وحتى اسم أميرغو فيسبوتشي كان منتشرًا على نطاقٍ واسع عبر الثقافة العالمية، ولكن التفاصيل الدقيقة للأسطورة الأخيرة غالبًا ما كانت غير معروفةٍ، كما أن العلاقة بين الرجلين عادةً ما ينظر إليها على أنها لغز. كان أميرغو فيسبوتشي مكتشفًا هنديًا ورسام خرائط ورحالة، وكنظيره كولومبوس كان قد قام بعدد من الرحلات عبر المحيط الأطلسي، وعمل قبيل ذلك في البيت التجاري لعائلة ميديسي في فلورنسا، كما وساعد في إدارة وتمويل الإمدادات لعدد من البعثات عبر المحيط، بما فيها بعض رحلات كولومبوس اللاحقة، وفي حين امتلاك كولوموبوس لاحتكارٍ على بعثات جزر الهند الغربية، حاز رحالةٌ ٌآخرون بحلول العام 1495 على تراخيص لاستكشاف المنطقة الجديدة من الهند.
ومن المهم الآن تذكر أنه وبالرغم من رسو سفينته في الباهاما عام 1492، آمن كولومبوس لأكثر من عقد بأنه وجد طريقًا غربيًا للهند، حتى وبعد بعثاتٍ كثيرةٍ لأجزاء من منطقة البحر الكاريبي وأمريكا، بقي متيقنًا أنه وجد طريقه لآسيا.
كسب فيسبوتشي الاحترام وبنى علاقاتٍ عابرة للقارات خلال سنوات خدمته في الصناعة التجارية في أوروبا، وتمت دعوته في نهاية المطاف من قبل ملك البرتغال مانويل الأول، للانضمام لبعثةٍ عبر المحيط، والتي كانت ستكتشف الساحل الجنوبي من “القارة الجديدة”، ووجد فيسبوتشيني ما بين العام 1499 و1502، بعد ما يقارب 7-10 سنوات لرحلات كولومبوس الأسطورية، أن الساحل الجنوبي للهند يمتد للجنوب أبعد مما اعتقد سابقًا.
وخلال رحلة عام 1499، استكشف فيسبوتشي وشركاؤه الجزء الشمالي من جنوب أمريكا، ووصلوا نهر الأمازون، واعتقد بشكل خاطئ آنذاك، أنه كان في الهند، وهناك بعض الأدلة القولية –ومحتملًا رسالةٌ مزورة- تقر بأن فيسبوتشيي كان في بعثةٍ في وقت سابق في عام 1497، وصلت إلى أمريكا الوسطى، وهذا يعني إن كان صحيحًا، أن فيسبوشيني وصل للبر الرئيسي للأمريكتين قبل كريستوفر كولومبوس!
وبأخذ الطبيعة غير المثبتة لتلك الادعاءات، يتفق المؤرخون على أن بعثة فيسبوشيني في عام 1501، هي حينما عزز سمعته كمستكشفٍ أسطوري عندما سافر في هذه الرحلة أسفل الساحل الجنوبي لأمريكا الجنوبية، مارًا بريو دي جانيرو الحالية، على طول الطريق ضمن 400 ميل من طرف القارة الجنوبية.
وتمامًا عند هذه النقطة، كان واثقًا أن رحلته ( ورحلة كولومبوس من قبله)، لم تصل إلى الهند بالفعل، لكنها وصلت إلى قارة جديدة تمامًا، واحدةٌ لم تكن جزءًا من العالم القديم (أوروبا وآسيا وإفريقيا).
صعود أميرغو للشهرة: قام أميرغو بكتابة العديد من الرسائل لزملائه وأصدقائه في أوروبا، خلال بعثاته، واصفًا الأماكن التي كان فيها والعجائب التي رآها، وكتب علاوةً على ذلك كتبًا عن رحلاته خلال العامين 1502 و 1504 بمجرد رجوعه، حيث أشار لأمريكا الوسطى والشمالية والجنوبية ب “Novus Mundi” (وتترجم للعالم الجديد).
كان أميرغو فيسبوشيني أول من أدعى وأثبت بشكلٍ أساسي أن الأرض التي اكتشفها هو وجون كابوت وكريستوفر كولومبوس لا تمثل الهند، وبالأحرى غير معروفةٍ كليًا، وكانت كتاباته قويةً وممتعة، وحظت بانتباه الناشرين والسكان عبر أوروبا، وأعيدت طباعة دزيناتٍ من هذه الكتب بلغاتٍ أوروبية، وأصبحت تقاريره بعضًا من أفضل المصادر للمعلومات حول العالم الجديد، في حين أن كريستوفر كلولومبوس لم يكتب علنًا أبدًا عن اكتشافه، بل استمر بالادعاء أنه رسى في الهند.
رسم مارتن والدسيمولر الرسام الألماني، وبعد خمس سنوات خريطةً لهذا العالم الجديد، واستخدمل ذلك كتابات فيسبوشيني كمصدرٍ رئيسي للمعلومات الطوبوغرافية، وعند نشره للخريطة وضع الكلمة “AMERICA” على طول قطعة الأرض، مكرمًا بذلك الرحالة الذي نسبوا الاكتشاف له، وفي غضون 30 سنة، أضيفت أمريكا الشمالية الحالية لخريطة العالم الجديد، ونسب رسامو الخرائط اسم أمريكا لأجزاء القارة أيضًا، وكما يقولون فإن الباقي تاريخ.
تفسير بديل
عندما وصل المؤرخون والعلماء لإجماعٍ عام حول أميرغو فيسبوشني بأنه اسمه هو السبب وراء تسمية تلك القارة، ظهر تفسيرٌ آخر وضعه البعض، فبالرغم من حصول كولومبوس وفيسبوتشي على الكثير من الامتنان على اكتشافاتهم السابقة للعالم الجديد، تواجد صيادي أسماك إنجليز في عقود قبل ذلك في جزيرة نيوفاوندلاند، أعلى الساحل الشمالي الشرقي للقارة.
أظهرت التقارير أن رجل يدعى ريتشارد أمريك، وهو تاجرٌ إنجليزي ثريُ من البريستول، كان عضوًا قديمًا في زمالة التجار وضابط جمارك، شحن حمولة من الملح (لتمليح السمك) في عام 1481، لهؤلاء البحارة وصيادي السمك القدامى، فساد الاعتقاد أنه قام البحارة بتسمية المنطقة التي كانو يصطادون فيها على اسم الذي كان يزودهم بالمواد وهو «أمريكي».
وعلاوة على ذلك، ذاع الصيت بأن ريتشارد أمريكي هو مالك سفينة “the matthew”، التي نقلت بعثة جون كابوت لجزيرة نيوفاوندلاند في عام 1496، وساد الاعتقاد أن كابوت قام بتسمية المنطقة التي رسى بها بأمريكا، وتم تداول فكرة تسمية أمريكا تشريفًا لهذا الرجل في الأوساط الاكاديمية في أوائل القرن العشرين، وأظهرت رسائل في الأرشيف الوطني الاسباني تلقي كولومبوس لنسخة من الخريطة السابقة كاملةً مع الاسم “Amerike” على الأرض، وعلى غرار المستكشفين الإيطاليين، الذين كانوا أكثر إصرارًا على كسب الامتنان العالمي لاكتشافهم، كان بحاري البريستول والتجار مهتمين في إبقاء مناطق اصطيادهم المربحة كسر، وهذا السبب وراء ندرة اعتماد هذه االنظرية البديلة لتسمية أمريكا بعين الاعتبار.
قد لا نعرف أبدًا الأصل الحقيقي لاسم أمريكا، لكنه سيبقى موضع جدل لدى الكثير، وسيسجل في أعين الغالبية اسم امريغو فيسبوشي كسبب وراء تلك التسمية، في حين أن كريتسفور كولومبوس سيحظى بمجد الاستكشاف.
اضافة تعليق