يشرح خبير في مرض (Lou Gehrig – أو ما يعرف بالـ ALS أو التصلب العضلي الجانبي) ما نعرفه عن الحالات التي تستنزف قوى المريض، وكيف استطاع ستيفن هوكينغ التغلُّب على الصعاب. يبلغ ستيفن هوكينغ من العمر أربعًا وسبعين سنة، تمكن من التغلُّب على تشخيصٍ رهيبٍ بالمرض لما يقارب النصف قرن. ساهم عالم الفيزياء النظرية الشهير في جلب أفكاره عن الثقوب السوداء والثقالة الكمومية إلى جماهير واسعة. رغم قضائه معظم وقته أمام الجمهور جالسًا على كرسي متحرك بسبب نوع من أنواع الأمراض العصبية الحركية، وهو التصلب الجانبي الضموري (ALS). وكان عليه مُنذ عام 1985 أن يتحدث عبر جهاز الحاسوب الخاص به، الذي يُشغلهُ باستخدام خدِّه، ويحصل على رعاية مستمرة على مدار الساعة.

ولكن يبدو أنَّ مرضهِ بالكاد تمكن من إبطائه. إذ قضى هوكينغ 30 سنة كأُستاذ بدوام كامل للرياضيات في جامعة كامبريدج. ويشغل حاليًا منصب مدير الأبحاث في مركز علم الكونيات النظرية.  ولكن، كما عقله، يبدو أن حالته المرضية فريدة من نوعها. لأن معظم المرضى المُصابين بالتصلب العضلي الجانبي – يُعرف ايضًا بمرض (Lou Gehrig) نسبةً إلى لاعب البيسبول الشهير الذي توفي بسببه – يُشخَّصون بالمرض في عمر الخمسين ويموتون بعدها بخمسة سنوات. إلا أنَّ حالة هوكينغ قد شُخِّصت في عُمر الحادي والعشرين، ولم يكن يتوقع أن يشهد عيد ميلاده الخامس والعشرين. لماذا تمكن هوكينغ من العيش لفترة طويلة مع هذه العلة بينما يموت الكثير من الأشخاص بعد مدة قليلة من تشخيصهم بالداء؟ تحدثنا مع الأستاذ المُساعد في علم الأعصاب والمدير الطبي لمركز التصلب العضلي الجانبي في جامعة بنسلفانيا، ليو ماكلوسكي، لنعرف أكثر عن المرض وكيف أنقذ هوكينغ وعقله الرائع.

ما هو مرض التصلب العضلي الجانبي، وهل هو نوع واحد أم أكثر؟ التصلب العضلي الجانبي، يُعرف ايضًا بمرض العصبون الحركي – وبشكل عام مرض (Lou Gehrig) في الولايات المتحدة – هو مرض تدهور عصبي. يجري التحكم بكل عضلة بواسطة العصبونات (الخلايا العصبية) الحركية الموجودة في الدماغ في الفص الجبهي. تتحفز كهربائيًا وترتبط بشكل متشابك مع العصبونات الحركية الموجودة في أسفل الدماغ، كذلك العصبونات الحركية الموجودة في الحبل الشوكي. الخلايا في الدماغ تُسمى العصبونات الحركية العليا، والخلايا في الحبل الشوكي تُسمى العصبونات الحركية السُفلى. يُسبب المرض ضُعفًا أما في العصبونات الحركية العُليا أو في السُفلى أو في كليهما.

عُرف لوقتٍ طويلٍ من الزمن أن هُناك أنواعًا من مرض التصلب العضلي الجانبي. يُشار إلى أحدهما على أنه ضمور العضلات التدريجي، أو (PMA). يبدو أنه مرض معزول للعصبونات الحركية السُفلى. رغم ذلك، لو أجرينا تشريحًا مَرضَيًا لمريض، فأننا سنعثرُ على دلائل لتدهور العصبونات الحركية العليا. وهنالك ايضًا التصلب الابتدائي الجانبي، أو (PLS)، ويبدو سريريًا وكأنه إعتلال منعزل في العصبونات الحركية العليا. رغم ذلك، وبالتشريح المَرضَي ايضًا، فإنها تسبب كذلك اضطرابًا في العصبونات الحركية السفلى. وهناك متلازمة تقليدية أُخرى تُدعى الشلل التدريجي (progressive baldor palsy)، والتي تُسبب ضُعفًا في عضلات الجمجمة، كاللسان، والوجه وعضلات البلع. ولكنها دائمًا ما تنتشر إلى عضلات الأطراف.  هذه هي الاضطرابات التقليدية الأربعة للعصبونات الحركية. وكان يُعتقد لفترة من الزمن بأن هذه الاضطرابات كانت تقتصر على العصبونات الحركية. إلا أنه قد اتضح خلاف هذا الشيء. ويبدو جليًا اليوم أنه في 10% من هؤلاء المرضى، يُمكن أن يتطور المرض في جزء آخر من الدماغ، كالأجزاء الأخرى من الفص الجبهي التي لا تحتوي على العصبونات الحركية أو الفص الصدغي. لذا يُمكن أن يتعرض هؤلاء المرضى إلى الخرف، ما يُعرف بخرف الفص الجبهي-الصدغي. إن إحدى المفاهيم الخاطئة عن مرض التصلب العضلي الجانبي هو كونه مجرد مرض يصيب الخلايا العصبية الحركية، إلا أنَّ ذلك ليس صحيحًا.

ما الذي أظهرتهُ حالة ستيفن هوكينغ عن المرض؟ شيء واحد تُبرزه سيرة هذا الرجُل وهو أنَّ هذا الاضطراب متغير بشكل لا يُصدق في نواحٍ عديدة. ففي المُعدل، يعيش الأشخاص لسنتين أو لثلاثة سنوات بعد التشخيص. ويعيش نصفهم لفتراتٍ أطول، وهناك أشخاص يعيشون لفتراتٍ طويلة. يعتمد توقع متوسط العمر على أمرين: العصبونات الحركية التي تُحرك الحجاب الحاجز، أي عضلات التنفس. إذ إن الطريقة الشائعة في موت الأشخاص تكون نتيجة فشل الجهاز التنفسي. والشيء الآخر هو تدهور عضلات البلع، والتي تؤدي بدورها إلى سوء التغذية والجفاف. لذا، لو لم تمتلك هذين الأمرين، فمن المُحتمل أن تعيش لوقتٍ أطول، رغم أن حالتك ستزداد سوءًا. إن ما حدث له أمر مذهل. هو حالة فريدة من نوعها.

هل عاش لفترة طويلة بسبب اصابته بنوع من المرض الذي يصيب الشباب، فاستطاع في سن مبكرة التعامل معه؟ تُشخَّص أمراض الأحداث (Juvenile-onset) في سنوات المراهقة، إنني لا أعرف الكثير عن سيرته لأتحدث. ولكن يحتمل أن يكون شيئًا مشابهًا للاضطرابات التي تصيب الأحداث، والتي هي اضطراب يتطور ببطء شديد جدًا جدًا. أنا أعرف مرضى في عيادتي شُخِّصوا في سنوات مراهقتهم ولا زالوا يعيشون سنواتهم الأربعين، والخمسين وحتى الستين. ولكن بما أنني لم أقم بفحصه اطلاقًا أو اطلعت على تاريخه المرضي، فإن من الصعب علي أن أحكم.
إنه مثال جيد جدًا على استثناء الأجزاء غير الحركية في الدماغ.

كم عدد حالات التقدم البطيء لتصلب العضلات الجانبي هذه؟ ربما أقل من نسبة ضئيلة. أتعتقد أنَّ طول عمر ستفين هوكينغ كان بسبب الرعاية الممتازة التي تلقاها أم بسبب حالته الفريدة من مرض تصلب العضلات الجانبي؟ ربما القليل من كليهما على حدٍ سواء. أنا أعرفه فقط عن طريق التلفاز، لذا لا أعلم عن أي نوعٍ من التدخلات حصل عليها. ولو لم يستخدم فعليًا جهاز التنفس الاصطناعي، فعندها ستكون البيولوجيا خاصته، أي بيولوجيا نوع المرض العصبي الذي أصابه والذي يحدد المدة التي سيعيشها. أما بالنسبة لمشاكل البلع، فيمكنك اختيار وضع انبوبة تغذية، والتي تبعد سوء التغذية والجفاف. ولكن بشكل أساسي، يتعلق الأمر ببيولوجيا المرض.

 

من الواضح أنَّ هوكينغ يمتلك عقلًا فعّالًا، ويبدو من التصريحات التي خرج بها مسبقًا أنه يمتلك حالة ذهنية إيجابية جدًا، رغم حالته الصحية. هل يوجد أي دليل على كون نمط الحياة والرفاه النفسي يساعد كثيرًا مع المرضى؟ أم أنَّ المرض عادةً سريع جدًا ليحدث ذلك فارقًا؟
أنا لا أعتقد أن ذلك يضيف إلى طول العمر. لا يزال مرض تصلب العضلات الجانبي بلا علاج. ما الذي تعلمناه عن المرض مؤخرًا يُمكن أن يساعدنا في إيجاد واحدٍ، أو على الأقل علاجات أفضل؟  بدا جليًا في بداية عام 2006 أنه كباقي الأمراض العصبية، فإن التصلب العضلي الجانبي يُحدد بواسطة تراكم البروتينات غير الطبيعية في الدماغ. وإن 10% من أمراض التصلب العضلي الجانبي هي وراثية وتستند إلى طفرة جينية. أنا متأكد ايضًا من وجود جينات معرضة لخطر التصلب العضلي الجانبي، ولكن هناك اليوم جينات متعددة حُدِّدت على أنها مسبب للمرض. كل واحدٍ منها مثير للإهتمام بالطريقة التي تؤدي فيها إلى تجمع بروتينات مختلفة في الدماغ. إن معرفة الجينات المعينة يعطينها آليات معينة في الدماغ، وقد تمنحنا أهدافًا للعلاج. ولكن لم تعطنا أي من هذه علاجاتٍ قوية لحد الآن.

 

ما الذي تعنيه حالة ستيفن هوكينغ بالنسبة للأشخاص المصابون بالمرض؟  أنه مثال مدهش، مدهش جدًا على التباين الشاسع في المرض، والأمل للمرضى المصابين به بأنَّ من الممكن لهم ايضًا أن يعيشوا حياةً طويلة. للأسف، لا يحدث ذلك فعليًا إلا لنسبةٍ قليلةٍ من الناس.


 

طاقم مجلة وسع صدرك

طاقم مجلة وسع صدرك

مجلة وسع صدرك الالكترونية جرعة يومية من الدهشة والفضول

الاطلاع على جميع المقالات

اضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة مؤخرا

error: Content is protected !!