إن كنت محظوظًا بما فيه الكفاية لزيارة باريس، فإن هذا معلم لا يمكنك تفويته ببساطه، وحتى لأولئك الذين لم يزوروا عاصمة فرنسا من قبل، فإن برج آيفل يبقى واحدٌ من أكثر الأيقونات تميزًا حول العالم، وفي حين معرفة معظم الناس مكان وجوده، ومدحهم لتصميمه الأنيق والرائع، وارتفاعه الشاهق فوق عاصمة أوروربا الثقافية، إلا أن القليل من الناس يعلمون التاريخ الصحيح لهذا البناء الفخم. وإحدى الأسئلة التي يجدر أن نبدأ بها: لماذا بني برج إيفل في المقام الأول؟

معرض العالم عام 1889: استضافت باريس معرض العالم في ذلك العام، لتخليد الذكرى المئة للثورة الفرنسية، وأرادت تمييز تلك المناسبة بشيء مذهلٍ بحق، وكانت مساحةٌ في “champs de mars” واحدةٌ من المواقع المقترحة لتشييد ذلك البناء الفريد من نوعه، فقدم أكثر من 100 معماري ومصممٍ أفكار لهذا البناء، وكان سيتسخدم كبوابةٍ لمعرض العالم – مدخل المعرض -، فكان لزامًا أن يكون شيئًا مدهشًا بحق. كانت المناقصة الرابحة من نصيب المعماري والبناء المشهور أليكسندر-جوساتف إيفل، وفي حين أنه دائمًا ما كان الفضل يرجع له بتصميم هذا البناء الأيقوني، إلا أن التاريخ أظهر أن التصميم يرجع لمساعده، موريس كوشلين الذي قام بإنجاز الكثير من التصميم الأصلي والمخططات. استغرق البرج سنتين حتى اكتمل، ويتكون من أكثر من 2.5 مليون من المسامير، و 18,000 قطعة منفصلة من الحديد المطاوع، وعمل مئات الأشخاص لإكمال هذا البناء الضخم قبل أن يفتتح المعرض، وكان طوله ما يقارب ألف قدم عندما تم الانتهاء منه، ما جعله أطول بناءٍ في العالم آنذاك، وبقي على هذه الحال لأربعين عامًا.

ما بعد المعرض: أوشكت الحكومة الفرنسية على هدم برج إيفل في عام 1090 بعد عشرين عامٍ من بناءه، وفي حين يبدو ذلك مستحيلًا حاليًا، إلا أنه كان من المفترض أن يكون موجودًا أو يعرض بشكلٍ مؤقت، وكان العديد من المواطنين الفرنسيين قد أعربوا عن قلقهم بتشويهه لمظهر المدينة، حتى أنه أطلق عليه البعض ب”قذى للعين”، ومع ذلك لم يتمكنوا من إنكار قيمته الاستراتيجية كهوائي للراديو، فقررت المدينة الاحتفاظ بالبرج في مكانه، وإن لم يفعلوا ذلك، كانوا سوف يدمرون مصدر الجذب السياحي الأغلى و الأشهر في العالم. وبعد 40 عامًا من إنشاءه، وعندما تم إنشاء مبنى كرايسلر في نيويورك، تعرض لقبه كأطول بناءٍ صنعه الإنسان في العالم للخطر، وبعدم رغبتهم بتفوق الأمريكين عليهم، أُضيف هوائي راديو في قمة برج إيفل، وبذلك وصل إلى طوله الحالي وهو 1,063 قدم، جاعلًا منه 17 قدم أطول من المنافس الأمريكي، ومع ذلك، وبعد سنةٍ من استعادته للقب، أقيم بناء إمباير ستيت، بطولٍ يبلغ 1,454 قدم، مؤشرًا بذلك على نهاية حكم برج إيفل للسماء.

ماذا عن إيفل نفسه؟ قد تتساءل الآن إن كان أليكسندر-جوساتف إيفل و موريس كوشلين قاما بتصميم برج إيفل، فبالتأكيد لكلاهما أعمال رائعةٍ أخرى، أليس كذلك؟ ربما عين الرجلان أيضًا للعمل على بناءٍ أيقوني آخر، ولا بد أنك قد رأيته من قبل. نعم، إنه صحيح، كان أليكسندر-جوساتف إيفل المصمم الثاني للبناء الداخلي لتمثال الحرية، من بعد أن وافت المنية المصمم الأصلي يوجين فيوليت-دي-لوك بشكلٍ مفاجئ عام 1879، تدخل إيفل وتحقق من سلامة البناء الداخلي، وغير التصاميم الأولية لاستخدام تقنياتٍ حديثة لزيادة القوة والتحمل، وربما هذا ما أعطاه الأفضلية في المنافسة على المعرض العالمي آنذاك. يعد برج إيفل مصدر فخر وسعادة للعديد من الباريسيين، وسيستمر بجذب أعداد مهولة من السياح من شتى أنحاء الارض لزمنٍ طويل جدًا، والآن أصبح بمقدورك على الأقل إخبار حب حياتك عن سبب وجود برج إيقل عند صعودك لل600 درجة لتطلب يدها.

 

قصي أبوشامة

قصي أبوشامة

قصي أبوشامة
مهندس مدني من الأردن، أسعى إلى زيادة الوعي في التقدم المعرفي والمنهج العلمي وتعزيز بنية الفرد العربي ثقافياً وإنسانياً

الاطلاع على جميع المقالات

اضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة مؤخرا

error: Content is protected !!