تم تقسيم إيرلندا في 3 مايو 1921 بموجب قانون الحكومة الايرلندية عام 1920، بحيث أصبحت جزيرة إيرلندا بأكملها تدعى بولاية إيرلندا الحرة في 6 ديسمبر 1922، ومع ذلك مارس برلمان إيرلندا الشمالية حقه في الانسحاب في اليوم التالي، وهذا ما أدى إلى انقسام جزيرة إيرلندا لإيرلندا الشمالية وإيرلندا الجنوبية، واليوم لا يزال الأول يعرف بإيرلندا الشمالية وهي جزء من المملكة المتحدة، بينما يعرف الأخير باسم إيرلندا وإذا كانت هناك حاجة إلى التمييز بين الدولة والجزيرة بأكملها، يتم الإشارة إلى الدولة باسم جمهورية إيرلندا.
ولكن لفهم السبب وراء حدوث ذلك بشكل كامل يجب العود للقرن الثاني عشر عندما غزا النورمانديون إنكلترا وسيطروا على العرش، وقرروا السيطرة على جزيرة إيرلندا أيضًا، حيث قام هنري الثاني مع موافقة البابا أدريان الرابع -لتقوية حملته في السيطرة على الكنيسة الايرلندية- بأخذ أجزاء كبيرة من الجزيرة عام 1171، وفي السنوات اللاحقة تم إنشاء لوردية إيرلندا بحيث كان لورد إيرلندا هو ذاته ملك إنكلترا وذلك تحت الحيازة البابوية، وهذا كان بداية قرون من السيطرة الإنكليزية وبعدها البريطانية على جزيرة إيرلندا.
كانت السيادة الإنكليزية هي المسيطرة على كامل الجزيرة رسميًا، ولكن في الواقع لم يكن الوضع كذلك تمامًا، ومع الوقت انحسرت هذه السيادة وروضت حتى قبل أن ينشأ الاختلاف الديني بين إنكلترا وإيرلندا حيث كان الإنكليزيون وسكان إيرلندا الأصليون كلاهما من المسيحين الكاثوليك ذلك قبل نشوء البروتستانتية.
انصهر الكثير من النورمانديون بالحضارة الايرلندية والبعض يقول أنهم كانوا إيرلنديون أكثر من سكان إيرلندا أنفسهم، وعلى الرغم من إنشاء قوانين تحظر الزواج المتداخل بين المستوطنين الإنكليز وبين الايرلنديون الغيلين وقوانين تمنع استخدام اللغة الايرلندية إلا أنها لم تكن فعّالة.
وفي أواخر القرن الخامس عشر انحسرت السيادة الإنكليزية على إيرلندا إلى منطقة محددة، وفي بدايات القرن السادس عشر نشأ ما يدعى بالإصلاح البروتستانتي حيث قلبت العديد من القوى الأوروبية ذلك على الكنيسة الرومانية الكاثوليكية مشكلة بذلك فرع جديد من الإيمان المسيحي.
وعلى الرغم من أنّ الإصلاح كان متعلقًا بالأمور الدينية ولكن تأثيره كان كبيرًا على السياسة، حيث قام هنري الثامن ملك إنكلترا بالانفصال عن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بعد أن رفض البابا تزويجه من أخرى بالإضافة إلى عدة عوامل أخرى، حيث أسس كنيسة إنكلترا بنفسه كقائد، وبذلك أصبح الوضع في إيرلندا غير واضح لكون السيادة عليها كانت ضمن الحيازة البابوية بحيث يكون ملك إنكلترا هو ذاته لورد إيرلندا، ولهذا اجتمع البرلمان الايرلندي وتقرر تحويل ولاية إيرلندا إلى مملكة إيرلندا بحيث يكون هنري الثامن ملك لمملكة إنكلترا وإيرلندا، وبعد موته انتقل الحكم لإدوارد السادس ثم ماري الأولى التي كانت كاثوليكية، لغاية هذا الوقت كانت إيرلندا مخلصة للبابا ومعظمها تقريبًا كاثوليكية.
وبعد وفاة إليزابيث الأولى انتقل الحكم إلى جيمس السادس لإسكتلندا صاحب النسب الفريد بحيث كان ابن ملكة اسكتلندا وجده الأعظم كان هنري السادس، وبذلك أصبح جيمس الأول ملك كل من إنكلترا وإيرلندا واسكتلندا وهذا ما يعرف باتحاد العروش .
تحت حكم جيمس الأول تم زراعة أولستر وهي جزء من شمال إيرلندا تضم مجموعة من السكان الإنكليز والاسكتلنديين وكانت هذه طريقة لإيقاف الثورة، وبالإضافة لأولستر كانت هناك العديد من الزراعات الأخرى ولكن أولستر كانت أنجحها، وخلال عدة عقود ازدهرت مستعمرات البروتستانتية وكانت قد شكلت الأغلبية في بعض مناطق الشمال.
وفي عام 1641 بدأت حرب الإحدى عشر عام بين الايرلنديون الكاثوليك وبين البرلمانيين الاسكتلنديين والإنكليز، استطاع فيها الايرلنديون السيطرة على ايرلندا لعدة أعوام ثم عاد البرلمانيين عام 1652 للسيطرة بقيادة أوليفر كرومويل الذي أعدم الملك تشارلز الأول وعين نفسه اللورد الحامي لإنكلترا واسكتلندا وإيرلندا، واستمر ذلك حتى وفاته عام 1658 وخلال فترة حكمه كان يتم إعدام أي شخص يعتقد بأنه كان متورطًا في الثورة، مما حمل تأثير كبير على مالكي الأراضي الكاثوليك في إيرلندا.
بعد وفاة كرومويل حكم ابنه لوقت قصير ثم عاد الحكم للملك تشارلز الثاني ابن تشارلز الأول، حيث كان تشارلز الثاني بروتستانتي في حين كان أخيه جيمس الثاني الذي انتقل الحكم إليه فيما بعد كاثوليكي، وفي هذه النقطة من الزمن كانت الأغلبية في اسكتلندا وإنكلترا من البروتستانت ولم يكونوا راضيين تمامًا عن ملكهم الجديد، ومع ذلك الشخص الذي يليه في الحكم كان ابنته ماري الثانية والتي كانت بروتستانتية بناءً على طلب عمها الملك السابق، ولكن هذا كله تغير عام 1688 بقدوم ابنه جيمس الثالث الذي سيكون كاثوليكيًا، وذلك ما أدى للثورة المجيدة التي أدت إلى عزل جيمس الثاني وتعيين ابنته ماري الثانية وزوجها ويليام الثالث كملكة وملك.
وبالطبع كانوا ملكة وملك لإيرلندا أيضًا التي كانت الأغلبية فيها كاثوليكية، وبالتالي لم تتلقَ الأمر بشكل جيد، مما قاد إلى حرب بين الايرلنديين الأصليين بقيادة جيمس الثاني الذي بقي كاثوليكيًا وبين ويليام الثالث وانتهى ذلك بانتصار ويليام الثالث، وعلى ذلك حكمت الأقلية البروتستانتية الأغلبية الكاثوليكية في إيرلندا.
وفي عام 1707 اتحدت اسكتلندا وإنكلترا ليشكلوا بريطانيا العظمى، وفي عام 1798 قامت ثورة في إيرلندا ضد الحكم البريطاني، وعلى الرغم من فشلها إلا أنها تركت الوضع غير مستقرًا أو واضحًا هناك، وبأ التفكير بأن إيرلندا قد تتحالف مع فرنسا لتنفصل عن بريطانيا، وعلى ذلك تم ضم إيرلندا عام 1801 للاتحاد السابق لتصبح المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا.
نشأت بعد ذلك عدة محاولات لإنشاء حكومة ذاتية في إيرلندا ولم تنجح حتى عام 1914، وفي هذه السنة بدأت الحرب العالمية الأولى لذا تم إيقاف ذلك مؤقتًا خلال الحرب، وفي عام 1916 بدأت ثورة في إيرلندا لإنشاء جمهورية إيرلندا المستقلة، ولكنها لم تستمر سوى لوقت قصير مات خلالها الكثير من الأشخاص معظمهم من المدنيين وانتهى الأمر باستسلام الثوار وإعدام معظم قادة الثورة.
وفي الانتخاب العام في المملكة المتحدة عام 1918 فاز حزب شين فين الايرلندي والذي يدعم استقلال جمهورية إيرلندا ب73 مقعد في البرلمان، ولكنهم قرروا أن لا يأخذوا هذه المقاعد وأن يقوموا بإنشاء البرلمان الايرلندي وأن يعلنوا استقلال جمهورية إيرلندا كبلد جديد ومستقل، ولكن يوجد عدة مناطق في الشمال لا تزال تدعم الاتحاد، وهذا ما أدى إلى حرب الاستقلال الايرلندية بين جيش إيرلندا الجمهوري وبين القوات البريطانية.
وفي عام 1920 بينما لا تزال الحرب قائمة ظهر قانون الحكم الذاتي الرابع، الذي يقسم إيرلندا الشمالية التي تدعم الاتحاد وإيرلندا الجنوبية التي تدعم الاستقلال، حيث بدا ذلك كحل مؤقت للنزاع، وبذلك ستبقى إيرلندا تحت حكم بريطانيا عامةً، ولكن عوضًا عن تواجد برلمان واحد في دوبلن سيتواجد برلمانين أحدهما في دوبلن والآخر في بلفاست.
تشكلت حكومة إيرلندا الشمالية بنجاح بينما الحكومة الجنوبية لم تتم، واستمرت حرب الاستقلال الايرلندية لعامين ونصف وانتهت إلى معاهدة تؤسس لولاية إيرلندا المستقلة ولكنها ضمن السيطرة البريطانية كما في كندا وأستراليا ونيوزلندا وجنوب إفريقيا وغيره.
لم تشمل المعاهدة شمال إيرلندا أي فقط تم استبدال جنوب إيرلندا بولاية إيرلندا المستقلة، وعلى ذلك انقسم الايرلنديون في الجنوب إلى مؤيدين ومعارضين للمعاهدة، وفي الانتخاب الايرلندي عام 1922 حاز مؤيدو المعاهدة من حركة شين فين على 58 مقعدًا بينما معارضي المعاهدة من شين فين حازوا على 36 مقعد، وهذا الاختلاف تصاعد ليتحول إلى حرب أهلية، بحيث رفض معارضو المعاهدة أخذ مقاعدهم في البرلمان، واستقال قائدهم إيمون دي فاليرا من شين فين ليبدأ حزب جديد يدعى فينا فول، ليصبح بعد ذلك أهم الأحزاب المسيطرة.
وفي عام 1937 تم إجراء استفتاء لقبول أو رفض مسودة الدستور الايرلندي الجديد والذي ينص على إزالة جميع الأعلام البريطانية، وكانت النتيجة بموافقة 56.5% ورفض 43.5%، وبذلك بدأت إيرلندا بدستور جديد كبلد مستقل بشكل كامل، ومارست هذا الاستقلال ببقائها محايدة عند بدء الحرب العالمية الثالثة في السنوات اللاحقة.
وعلى الرغم من أن ذلك يجب أن يكون نهاية القصة، إلا أن العنف كان قائمًا في إيرلندا الشمالية بشكل أساسي وانتشر إلى عدة مناطق أخرى في إيرلندا وإنكلترا وحتى في مناطق أخرى من أوروبا، حيث كان يمثل البروتستانت في شمال إيرلندا نحو (63%) يدعمون الاتحاد والرومان الكاثوليك نحو (35%) يدعمون الانضمام لجمهورية إيرلندا، واستمر ذلك نحو ثلاثة عقود منذ أواخر الستينات لأواخر التسعينات.
حيث انتهى في اتفاقية الجمعة العظيمة عام 1998 والتي نصت على تعديل دستور جمهورية إيرلندا لحذف الجزء الذي ينص على أن إيرلندا الشمالية جزء من جمهورية إيرلندا وأن التقسيم غير شرعي، ليصبح تشكيل إيرلندا المتحدة أمرًا سلميًا يتم التصويت عليه عن طريق الاستفتاء، وفي حال موافقة الأغلبية على الانضمام لن تعارض بريطانيا ذلك، وهكذا كانت نهاية سنوات من العنف يمكن ملاحظة آثارها لغاية الآن في بلفاست بوجود جدران تفصل بين المجتمعات البروتستانتية والكاثوليكية والتي سيتم إزالتها بشكل كامل بحلول عام 2023.
اضافة تعليق