للاستكشافات البشرية وجهتين، ففي حين أننا لا نخاف من الصعود لأعلى أبدًا، فنحن نركب الطائرات النفاثة تحلق في السماء، ونقفز بالمظلات من حافة الفضاء، ونرسل الأشخاص لمئات وآلاف الأميال في الفضاء، إلا أن النزول لباطن الأرض دائمًا ما كان أصعب، فأعمق نقطة وصلنا لها لحد الآن هي 7.6 ميل تحت سطح الأرض، أو 0.2% من المسافة لباطن الأرض.
والأمر ليس أننا لا نريد التعمق أكثر في الأرض، فهناك فوائد علمية، وتجارية عظيمة إن استطعنا ذلك، ولكن مهما حاولنا في ذلك، وعلى الرغم من السنوات الطويلة التي قضيناها في تطوير الأدوات والآلات، ما زالت أعماق الأرض خارج حدودنا تمامًا.
يكمن السبب في ازدياد درجة حرارة الأرض، فكلما اتجهنا لمركزها، تزداد درجة حرارة قشرة الأرض، وهي القشرة الخارجية للأرض على عمق 50 كم تحت سطحها بما يقارب ال25 درجة مئوية لكل كيلومتر واحد من العمق، مما يعني أنه وبمجرد الوصول ل10 كليومترات تحت السطح، تكون درجة الحرارة 250 درجة مئوية، أما بالنسبة لدرجة حرارة مركز الأرض فلم نستطع التعرف عليها تمامًا، ولكنها تُقدر نظريًا ب6000 كلفن.
وفي الواقع يكون هذا التدرج في الحرارة رائعًا، إن كانت الغاية الاستفادة من حرارة جوف الأرض للتدفئة، أو للكهرباء، ولكنه أمرٌ فظيع جدًا لغايات الحفر والتنقيب، فالحفر بشكلٍ عام من حفر الجدار، للحفر بحثًا عن النفط، يعتمد على عاملين اثنين، وهما طول خيط الحفر، ودرجة حرارة مثقب الحفر، فيربط خيط الحفر مثقب الحفر بوحدة التحكم الريئيسة على سطح الأرض، مما يوفر عزم دوران (قوة دوران)، وسائل حفر (يبرد مثقب الحفر)، إذ يسخن مثقب الحفر الذي يحفر في الصخور القاسية كثيرًا، إثر الاحتكاك، ويمكن المحافظة على فاعلية مثقب الحفر على درجات الحرارة العالية باستخدام مواد ذات درجات انصهار عالية، ككربيدالتنغستن، والألماس، ولكن حتى تلك المواد تتحمل الحرارة إلى حد ما.
إذا كيف يمكننا التعمق أكثر باتجاه مركز الأرض؟ حتى ولو استطاع التطور في علم المواد، والنانوتيكنولوجي مضاعفة قوة خيط ومثقب الحفر، فلن نصل إلا لمنتصف القشرة، قبل مركز الأرض بآلاف الأميال.
وحتى الآن يوجد طريقة من الممكن تطبيقها، وجامحةٌ لحد ما، ففي ورقتي بحث نشرتا عامي 2005، و2008، افترح عالمان من جامعة شفيلد في إنجلتزا كبسولة نووية ذاتية الغرق، لاستكشاف باطن الأرض، ويعتبر هذا الاقتراح جنوني تمامًا، وبسيط في نفس الوقت، إذ يقوم على وضع جسم كروي من الكوبالت-60 المشع بعرض قدم، داخل كبسولةٍ من التنغستن، وتركها لتذوب عبر قشرة الأرض.
سيكون معدن الكوبالت ساخنًا كفاية (بدرجة حرارة تقارب ال1000 درجة مئوية) بحيث يصهر الصخور، بينما ستمكن نقطة انصهار التنغستن القصوى، الكبسولة من تحمل درجة حرارة غشاء الأرض، ويقول الباحثون أن الكبسولة ستصل عمق 20 كيلو متر تحت سطح الأرض في أول سنة، وستستمر في التعمق ل100 كم باتجاه باطن الأرض ببطء، على مدى 30 عامًا.
وقد تخلف الكبسولة ورائها صخور منصهرة أثناء نزولها، ولكنها تعاود التجمد مرة أخرى، مما يصدر أصواتًا يمكن أن تُسمع من على السطح، ويمكن لتلك الأصوات أن تكشف لنا عن مكونات الطبقات التي تعبرها الكبسولة، مما يوفر لنا نظريًا معلومات أكثر من تلك التي توفرها طرقنا الحالية في استكشاف باطن الأرض، كما يمكن أن تزود الكبسولة بمستشعراتٍ، ووسائل تستطيع من خلالها أن ترسل أصواتًا، ليتسنى لها تقديم تقرير بالنتائج.
اضافة تعليق