انتشرت في الفترة الأخيرة صيحات تنادي بضرورة الحب قبل الزواج، بل باعتبار الحب ركن أساسي من الزواج ومن دونه لا يصح. لكن بالنظر إلى الدراسات والأبحاث المنشورة بشأن هذا الموضوع يتضح أن معدلات الزواج عن حب تتناسب مع زيادة معدلات الطلاق، ويظهر ذلك الأمر بوضوح في المجتمعات الغربية أو المتشبهين بها. فأين يكمن الخلل، في الحب أم في طريقة فهمنا إليه؟
قبل أن نخوض في التفاصيل، ألا يجب علينا أولًا معرفة الترجمة الدقيقة لكلمة حب، وزواج، لكي تتضح المفاهيم ويزول الالتباس؟ قد يصح ذلك في شتى المفاهيم، إلا أن وضع تعريفًا دقيقًا لمفهوم غاية في الذاتية كالحب من أصعب ما يكون، لذلك دعنا نعرض أبرز النظريات التي توصل إليها علماء النفس في شرح ذلك الشعور الغريب الذي يمر به الإنسان ويستحسنه.
النظرية الأولى هي نظرية العلاقة المثلثية، والتي تعتبر أن الحب مكون من ثلاث أضلاع: الاهتمام، الارتباط، والحميمية. متغاضية عن تعريف الحب كعاطفة أو شعور منفصل عن هذه الأمور. أما النظرية الثانية فتفرق بين نوعين من الحب. النوع الأول وهو الحب الولعي Passionate Love ويعني الانجذاب الشديد اللحظي لشخص ما، والرغبة في ممارسة الجنس معه، والعاطفة الجياشة نحوه. أما النوع الثاني هو الحب الأكثر عمقًا: ويعني مشاركة الطرف الآخر اهتمامات، والإعجاب والاحترام المتبادل، الارتباط، والتأثر المتبادل.
فهل يؤدي هذا النوع الأخير من الحب إلى زواج سعيد طويل الأمد؟ كان الزواج قديمًا مقدسًا بعيدًا عن الحب، ولكن انحسرت هذه النظرة للزواج مؤخرًا، واستبدلت بنظرة أكثر تقديسًا للحب قبل الزواج. وغالبًا ما يكون الحب في هذا السياق هو الحب الجنسي، أو الانجذاب اللحظي الشديد لشخص ما. ولكن هذه الرؤية خلفت كثيرًا من الاحباطات بين المرتبطين، مما أدى إلى زيادة معدل الطلاق بينهم. يمكن أن تحال هذه النتيجة لسببين:-
1- الزواج عبارة عن علاقة شراكة اجتماعية بين الزوجين: وذلك يعني أن الحب ليس الشرط الوحيد أو الأساسي للزواج الناجح. فالذين يقعون في الحب ويتخذون هذا الأمر دافعا للارتباط بأحدهم، غالبًا ما يغفلون أمورًا أخرى لا تقل أهمية عن مجرد الانجذاب العاطفي. ومن أمثلة هذه الأمور الحالة المادية والاجتماعية للطرف الآخر، وهي ضرورية لوجود أرضية مشتركة من التواصل والتفاهم بين الشريكين وتطوير حياتهما للأفضل، أما إذا بنيت العلاقة على الحب فقط، فقد يغفل هذا العامل مما يؤدي إلى نشوء النزاعات بين الزوجين في المستقبل. من الأمثلة الأخرى للأمور التي قد تُغفل، صلاحية الطرف الآخر لأن يكون أبًا جيدًا أو أمًا جيدة، فيؤدي ذلك إلى تعاسة الأبناء وبالتالي الزواج مستقبلًا.
2- الحب قصير المدى، أما الزواج طويل المدى: الحب بمعناه الانجذاب اللحظي غير المتأني لشخص ما، غالبًا ما يتغير سريعًا كما حدث سريعًا، فيمر الشخص بفترة إثارة مؤقتة، ثم يصيبه الملل من شريكه بعد ذلك. قد تستمر تلك الرغبة في الارتباط أو ممارسة الجنس مع شخص آخر لمدة من الزمن، لكنها لا تكفي على الإطلاق إلى إقامة حياة طويلة مع هذا الشخص. وذلك لأنها مؤقتة كما ذكرنا، ولأنها تعتمد على العديد من الظروف الأخرى التي لا يمكن أن تدوم لفترة طويلة.
استبدال الاعجاب اللحظي، بالحب الأكثر عمقًا. إن الحب القائم على الاحترام المتبادل، والاهتمامات المشتركة، والرغبة في التكامل والتفاهم بين الشريكين هو ما يستمر. وهو ما يوفر احساسًا بالمعنى وعلاقة ناجحة على المدى البعيد، فهي توفر شعورًا بالتوافق بينهما وتمكنهما من تطوير حياتهما سويًا مما يؤدي إلى سعادتهما ببقائهما مع بعضهما، فتستمر العلاقة وتزدهر. قد يبدو التغاضي عن الذكاء المتواضع لمن تحب أو عدم التوافق الاجتماعي بينكما قرارًا رومانسيًا على المدى القصير، ولكنه قد يؤدي إلى كوراث في المستقبل كالتعاسة أو الشعور بالندم. الحب أمر مهم عند التفكير في الارتباط العاطفي بشريكك ولكنه ليس الأمر الوحيد أو الجوهري، فالزواج الناجح بين شريكين هو الذي يمكنهما من تجديد الحب، أي أن يحبا بعضهما أكثر من مرة أثناء ارتباطهما.
اضافة تعليق