انتشرت ممارسة المثلية الجنسية أو ما عُرف قديماً عند العرب ب ” اللواط ” (نسبة إلى قوم لوط) منذ القدم ولكنها لم توجد بالصورة ذاتها التي نراها اليوم، حيث لم تكن ممارسةً تصنّف من يقومون بها إلى فئات ذات رغبة متمحورة حول الذكور فقط بل شملت غالبا ممارسة معينة أخرى مع الجنس الآخر، ومعظم الأخبار والأشعار التي تتحدث عن المثلية تعود إلى العصرين العبّاسي والأندلسي وهذا لا يعني أنها ممارسة نشأت في هاتين الحضارتين، فقد كانت معروفة قبل ظهور الإسلام واشتهر بها بعض الخلفاء الأمويين.
لم يذكر في القرآن وجود حدٍّ واضح على من يمارس المثلية واكتفى بالحديث عنها بشكل سلبي وبالذمّ بقوم لوط الذين مارسوها ونُسبت إليهم، وعدم وجود ذلك سبّب أزمة بين الفقهاء حول الحدّ الذي يجب أن يفرض على من يمارسها، وتذكر كتب الحديث حديثاً ضعيفاً عن ابن عبّاس عن النبي يقول فيه: “من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به”،وتشير الروايات المنقولة عن الصحابة إلى حزمهم الشديد مع ممارسيها ومنهم من دعا إلى رجمهم بالحجارة حتى الموت، ومنهم من قال: “يُحرق”، ومنهم من قال:”يرمى به من أعلى شاهق”.
من الناحية الأخرى يرى البعض أن الإسلام لم يحرم المثلية حقاً، ويستندون بذلك إلى أن قصة قوم لوط كانت تتحدث عن أن قومه يريدون إرغام أي من يأتي إليهم على الجنس، وبالطبع هناك فرق كبير بين الجنس بالتراضي وبين الاغتصاب. هذا الرأي غير منتشر بين الفقهاء أو عوام المسلمين، لكنه مستخدم بكثرة من قبل المثليين المسلمين الذين وجدوا فيه توافقاً بين ميولهم ودينهم.
المثلية في العصر العباسي والتاريخ العربي: الأمرد المستحبّ
كان يفضل المثليون، بشكل عام، الغُلام الأمرد (الذي لم تنبت لحيته بعد) لإقامة علاقة جنسية معه يقول إبن أبي البغل: “وإلا فالصغار ألذ طعماً، وأحلى إن أردت بهم فعالاً” و ذُكرت أخبار كثيرة في التراث العربي تدلّ على استثارة الغلمان للرجال حيث يقول أحد الأحاديث:”قَدِم وفدُ عبد القيس على النبي وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي وراء ظهره وقال:” كانت خطيئة من مضى النظر” وعن أبي هريرة أنه قال: “نهى رسول الله أن يحدّ الرجل النظر إلى الغلام الأمرد” وكذلك نهى بعض الفقهاء عن مجالسة المرد ان وقال ابراهيم النخعي: “مجالستهم فتنة وإنما هم بمنزلة النساء”.
بعض الشعراء العرب ذهب في التغزّل بالنساء إلى تشبيههن بالغلمان حيث يقول الجاحظ في تعليق له على الشعر المنتشر في عصره “إن من فضل الغلام على الجارية أن الجارية إذا وُصفت بكمال الحسن قيل: كأنَّها غلام ووصيفةٌ غلامية”، في شعر منسوب إلى والية بن الحُباب يصف فيه جارية، يقول: “لها زيُّ الغلام ولم أقسْها/ إليه ولم أُقصّر بالغلام”.
برغم الميل العام إلى تفضيل المرد (جمع أمرد)، لم يمانع بعض آخر بوطء الملتحين منهم، دافع أبو نواس عن وطء الملتحي قائلاً: “قال الوشاة: بدت في الخد لحيته/ فقلت: لا تكثروا ما ذاك عائبه/ الحسن منه على ما كنت اعهده/ والشعر حرز له ممن يطالبه”. ذمّ بعض العرب هذه الممارسة حيث يقول الشاعر إبن الوردي: “مَن قال بالمرد فاحذر أن تصاحبه/ فإنْ فعلت فثق بالعار والنار/ بضاعة ما اشتراها غير بائعها/ بئس البضاعة والمبتاع والشاري/ يا قوم صار اللواط اليوم مشتهراً/ وشائعاً ذائعاً من غير إنكار”، ويظهر في البيتين الأخيرين أن المثلية كانت شائعة في العصر المملوكي.
قادة مسلمون وخلفاء اشتهروا بمثليتهم
عرف عن كثير من الخلفاء، أمراء المؤمنين وبالأخص في العصر الأموي، مثليتهم حيث تتحدث بعض الروايات عن أن يزيد بن معاوية كان أحدهم ولكن أشهر من اشتهر بذلك في العصر الأموي كان الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك حيث وصفه السيوطي في كتابه “تاريخ الخلفاء” بأنه “الخليفة الفاسق أبو العباس” وقال عنه شمس الدين الذهبي في كتابه “تاريخ الإسلام”: “اشتهر بالخمر والتلوّط”، وبعد قتله قال أخوه سليمان بن يزيد: “لقد راودني عن نفسي”.
أصبحت ممارسة الخلفاء للمثلية في العصر العبّاسي ظاهرة شبه عامة حيث يروي الطبّري في تاريخه أن الخليفة الأمين “طلب الخصيان وابتاعهم وغالى بهم وصيّرهم لخلوته في ليله ونهاره… ورفض النساء الحرائر والإماء”، ويُروى أن والدته حاولت ثنيه عن عادته هذه فأتت له بفتيات يتشبّهن الغلمان دون أن تنجح في مسعاها، ويُحكى أن الأمين كان متيّماً بأحد الغلمان ويدعى كوثر وأنشد فيه شعراً يقول: “كـوثـر ديني ودنياي وسقمي وطبيبي/ أعجز الناس الذي يلحي محباً في حبيب”.
عُرف أخوه المأمون على عكس الأمين بعلاقاته الكثيرة مع النساء لكن رغم ذلك تتحدث بعض المرويات عن تعلّق الخليفة بغلام اسمه “مهج” كان الوزراء يتوسّطون به لدى المأمون لقضاء حاجاتهم، كما تروى رواية عنه فيها أنه نظر إلى غُلام فقال له ما اسمك؟ فأجابه: لا أدري فقال: “لم أر مثل هذا” وأنشد: “تسمّيت لا أدري لأنك لا تدري بما فعل الحبّ المبرّح في صدري”.
وفي ولاية المأمون اشتُهر القاضي يحيى بن أكثم، قاضي القضاة، وصاحب التأثير في تدبير الملك إلى جانب علمه الديني الواسع ينسب إليه شعر يتغزّل فيه بشابين، ويقال أنه تمّ عزله عن منصبه بسبب هذه الأبيات، وقد أنشد فيه أبو نواس: “أنا الماجن اللوطي ديني واحد/ وإني في كسب المعاصي لراغب/ أدين بدين الشيخ يحيى بن أكثم/ وإني لمن يهوى الزنى لمجانب”.
إضافة إلى ذلك كان لدى الخليفة المتوكل عشيقاً اسمه شاهك يروي المسعودي في كتابه “مروج الذهب” أن الخليفة المعتصم كان يحب جمع الأتراك وشراءهم من أيدي مواليهم فاجتمع له منهم أربعة آلاف فألبسهم أنواع الديباج والمناطق المذهّبة والحلية المذهّبة.
المثلية الجنسية في الشعر العربي
امتدح أبو نوّاس المثليّة في شعره، وكثير منه ماجن ويسمّي الأعضاء الجنسية بمسمياتها، إلى حد أنه أنشد لأبي عبيدة النّحوي وهو محب آخر للغلمان:
صلى الله على لوط وشيعته / أبا عبيدة قل بالله: آمينا
لأنت عندي بلا شكّ زعيمهم / منذ احتلمت ومذ جاوزت ستينا
وفي شعر لمحمد بن هانئ المغربي يقول:
لا تلحني يا عاذلي إنني / لم تصبني هند ولا زينب
لكنني أصبو إلى شادن / فيه خصال ثلاثة ترغب
لا يرهب الطمث ولا يشتكي الـ/ حمل ولا عن ناظري يحجب
وقال أبو هشام الخرَّاز:
ويا غزالاً يسبي بلحظته/ مكتحلاً راح أو على مرهه
يجعل قتل النّفوس نزهته/ يوشك يُفني النّفوس في نزهه”
ويقول أبو الفتح البستي:
خذوا بدمي هذا الغلام فإنَّه/ رماني بسهمَيْ مقلتيه على عمد
كما يقول أبو فراس الحمداني
غلام فوق ما أصف/ كأن قوامه ألف
ويقول إبن الرومي:
أفسدتْ توبتي عليَّ غلام/ غصن ناعم وبدر تمام
ويقول شاعر مجهول:
إنما الدنيا طعام ومدام وغلام/ فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام
ويقول آخر:
وعلى اللّواط فلا تلمن كاتباً/ إن اللواط سجيَّة في الكاتب
ولقد يتوب من المحارم كلها/ وعن الخصى ما عاش ليس بتائب
ومما عُرف أيضاً عن العرب من ممارسات أخرى تجمع ذكرين وأنثى وذلك بتوسط رجل بين إمرأة من تحت ورجل من فوق، وفي ذلك أنشد اليعقوبي:
وأعير من يدنو إلي صبابة/ وأبيت بين غلامة وغلام
وفيه أنشد الخبزارزي:
اتنشط للوصل يا سيدي/ فإن الحبيب له قد نشط
أحب اجتماعكم في الهوى/ عسى الله يصنع لي في الوسط
قصص طريفة عن المثلية الجنسية في التاريخ العربي
اشتهر أبو نواس بحبه للغلمان، وعندما قيل له “زوّجك الله الحور العين” أجاب بأنه ليس بصاحب نساء بل الولدان المخلدين في إشارة إلى الآيات القرآنية التي تتحدث عن ولدان مخلّدين يخدمون المؤمنين في الجنّة، وقد استعار البعض من الدين أوصافاً للغلمان فقيل: الغلام استطاعة المعتزلة لأنه يصلح للضدين، يفعل ويفعل به، والمرأة استطاعة المجبرة لا تصلح إلا لأحد الضدين.
في إحدى الروايات راود رجل من أهل الحديث غلاماً عن نفسه، فقال: ما تعطيني؟ فقال: استغفر لك الله ما دمت حياً وأقرأ على قبرك القرآن إذا مت فقال الغلام فاقرأ بالعاجل على (عضوك الجنسي): “ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً”.
وفي رواية أخرى، كان قاضٍ يعظ فأقبلت عليه جماعة من المرد فلما رآهم مقبلين قال للمؤمنين المتحلقين حوله، إن العدو قد كثر وطلب منهم ترديد الدعاء التالي معه: “اللهم امنحنا أكتافهم اللهم أقلبهم على وجوههم وولّنا أدبارهم وأرنا عوراتهم وسلّط رماحنا عليهم”، فردّد المؤمنون دعاءهُ دون أن يعرفوا قصده.
وكان للمثلية أسواق في العصر العبّاسي فقد رُوي أن غلاماً من حمص فرّ إلى بغداد، وفيها رأى كثرة الإجارة فمارس البغاء، وعندما راسلته أمه لكي يعود بهدف إنشاء طاحونة له بحمص، كتب إليها:” يا أماه إن استاً بالعراق خير من طاحونة بحمص”.
اضافة تعليق