في وقت مبكر من الحرب مع الإيران، انخرطت الحكومة العراقية مع خبير الأسلحة الشهير جيرالد في. بول، الذي كان مهووسًا في بناء مدفعية خارقة تمتلك سبطانة أو أنبوبة ضخمة الحجم قادرة على إطلاق الأقمار الصناعية إلى الفضاء أو قادرة على إطلاق قذائف مدفعية إلى أرض العدو التي تبعد آلاف الكيلومترات، وبينما لم يتمكن جيرالد من تحقيق حلمه، فإنه نجح في تصميم إحدى أكثر الأسلحة فعالية في العالم.
جيرالد عالم فيزياء فلكية كندي، امتلك مسبقًا عقودًا بحثية مع الجنس الأمريكي، ووزارة الدفاع الكندية، وعندما كان يعمل على مشروع صاروخ «فيلفيت جلوف»، أدرك أنه من الممكن أيضًا إطلاق الأجهزة العلمية من بندقية دون أن تلحق بها أذى إذ غلفت بصورة جيدة، وفي عام 1962 حصل جيرالد على دعم من الجيش الأمريكي كي يعمل على «هارب» وهو برنامج بحث أمريكي كندي، وعمل في البداية في منشأة تقع على جزيرة باربادوس، واستخدم مدفعية صغيرة ذات خمسة إنشات لإطلاق مقذوفات إلى ارتفاع يتخطى السبعين كيلومتر، ومدفعية ذات سبعة إنشات لإطلاق مقذوفات إلى ارتفاع مئة كيلومتر، فتمكن من صنع مدفعية بلحام زوج من مدفعيتي سفن ذات 16 إنش، لتنتج أنبوبة يصل طولها إلى 30 متر، واستعملت المدفعية لإطلاق مقذوفات آلية خفيفة سميت «مارتليتس»، وفي التاسع عشر من نوفمبر عام 1966، نجحت مدفعية «هارب» في إطلاق مقذوفات مارتليتس التي تزن 180 باوند إلى ارتفاع 180 كيلومتر، وقد كان في نية مدفعية هارب ذات الستة عشر إنش إطلاق صاروخ بثلاثة مراحل محملًا بحمولة 10 كج إلى الفضاء، إلا أن الحكومتين الأمريكية والكندية أوقفا تمويلهما عام 1967.
قطع جيرالد علاقته مع البنتاجون عام 1970 وأنشئ شركات واتفاقيات لبيع إصداراته المحسنة من التقنية التي طورها لحكومات أجنبية مختلفة، بما فيها إيران، والتشيلي، وتايوان، والصين، فأنشئ شركته الخاصة في مقاطعة كيبيك الكندية، وشركة أبحاث فضاء، وشركة بلجيكية فرعية، وتمكن جيرالد من إنتاج أضخم قطعه الفنية والمسماة بمدفعية «جي سي 45»، والتي عرف بأنها تطلق قذائف من بعد 25 ميل متخطية ضعفي ما تنجزه الأسلحة الغربية، غير أنه حوكم وسجن لعام واحد عام 1980 لبيع أسلحة بصورة غير قانونية لجنوب أفريقيا.
وبعد اندلاع الحرب الإيرانية العراقية بوقت قصير، أرسلت الحكومة العراقية طائرة خاصة إلى جنيف لنقل جيرالد إلى بغداد، لتبدأ بذلك علاقة طويلة الأمد بينه وبين الحكومة العراقية، وصدام حسين الذي كان آنذاك وزيرًا للدفاع، واستمر جيرالد بالعمل مع الحكومة العراقية لعشرة أعوام، فكانت العراق إحدى الدول التي طور جيرالد فيها أسلحته، واندرجت قائمة زبائنه على كندا، والولايات المتحدة الأمريكية، وجنوب أفريقيا، وإيران، والتشيلي، وتايوان، والصين، وليبيا.
وكانت غالبية الأسلحة العراقية المرعبة من صنع جيرالد بين عامي 1981 حتى اغتياله عام 1990، بما فيهما جميع أسلحة جي سي 45 التي تطورها جيرالد عام 1970، إذ صنع 200 من هذه الأسلحة في النمسا وسميت آنذاك بأسلحة جي إتش إن 45، ثم نقلت إلى العراق من خلال الأردن عام 1985 ليستخدمها العراق في حربه، وصنع 100 أخرى في جنوب أفريقيا، حيث روج لها تحت اسم جي 5، واستطاعت هذه الأسلحة قذف أسلحة نووية، وقذائف كيميائية، أو أي قذيفة ناتو معيارية ذات 155 ملمتر.
كما صمم جيرالد أنظمة ذاتية الدفع متقدمة للعراقيين: سلاح «أل فاو 210 ملمتر» وسلاح «المجنون 155 ملمتر»، أما أل فاو يزن 48 طنًا، ويستطيع إطلاق أربعة جولات بالدقيقة تزن كل منها 109 كيلوجرام يصل مداها 35 ميلًا من سبطانتها الواصل طولها 11 متر، وادعى العراقيون أن السلاحين يصلان إلى سرعة قصوى تعادل 72-88 كيلومتر في الساعة.
كما هنالك رؤوس جيرالد الحربية الشهيرة، التي زادت من مدى صواريخ سكود العراقية، وتحت مظلة مشروع بابل، توسع جيرالد في مشروع مدفعية هارب، فبنى أنبوبة «سبطانة» على مراحل، بطول يصل إلى 512 قدمًا، فتمكنت المدفعية من إطلاق قذيفة ذات وزن 600 كيلوجرام يصل مداها إلى 1000 كيلومتر، أو قذائف 2000 كج معززة بصواريخ.
كجزء من مشروع بابل، بنى جيرالد مدفعية أصغر، أعطاعا اسم «بيبي بابيلون» كنموذج أولي لمدفعية أضخم، وبنيت المدفعية بطول 40 متر للاختبارات الأفقية في صيف عام 1989، وتم تثبيتها في منطقة جبل الحمران، التي تبعد 90 ميلًا عن بغداد، ومركزت المدفعية على سفح جبل بزاوية 45 درجة.
أقر العراق في مستندات الأمم المتحدة عام 1991، امتلاكه لمدفعية ذات أنبوبة 350 ملمتر بالعرض و45 متر بالطول، وأنه كان يبني واحدة أخرى، ودونت اللجنة أن المدفعية لا يمكن تصنيفها كسلاح تقليدي، وأنها كانت تحاول تحديد ما إذا كان السلاح صنع لأهداف كيميائية، أو بيولوجية، أو نووية، إذ كانت هذه المدفعية الخارقة قادرة على إطلاق الأسلحة الكيميائية، والبيولوجية، والنووية بمدى يصل إلى 1000 كم.
وقال الجنرال العراقي المنشق ذو الرتبة العالية: حسين كامل المجيد، أن العراق يعمل على سلاح فضائي سيتم إطلاقه من خلال المدفعية الخارقة.
وقال «كانت المدفعية معدة للهجوم طويل المدى ولحجب أقمار التجسس الصناعية، وقد كان علماؤنا جديون في سعيهم هذا، إذ صمموا المدفعية لتتمكن من تفجير قذيفة في الفضاء ستنشر بدورها مادة لاصقة على القمر الصناعي مسببة إعماءه في النهاية.»
كما قال أن المدفعية الخارقة بإمكانها إطلاق أسلحة نووية، وبحلول حرب الخليج، دمرت إحدى مكونات المدفعية الخارقة، ودمر دافع المدفعية أيضًا.
استخدم العراق المجمع البتروكيميائي 2 «بي سي 2» كواجهة لشراء مدفعية جيرالد الخارقة، وبيعت شركة «ماتريكس تشرتشل» المتخصصة في صنع الآلات إلى شركة عراقية، وكانت آلات ماتريكس تشرتشل هي السبب الرئيسي وراء شراء الشركة، والحصول على الشركة مكن العراق من الولوج ليس فقط إلى أدوات صنع الآلات، بل إلى البرمجة الحاسوبية، وصنع الأدوات ذاتها، وجميع المكونات الأخرى اللازمة لصنع مختلف أنواع الذخيرة، فضلًا عن تطبيقات أخرى جوية وصناعات نووية، فتعاقدت شركة نصر للصناعات الميكانيكية مع الشركة من أجل التزويد بالآلات لمشروع سمي باسم «إي بي إي»، لصنع أجزاء من أنظمة متعددة لرجم الصواريخ، بالإضافة إلى أن مكونات المدفعية الخارقية بصورة متفرقة في مصانع في إنجلترا، وإسبانيا، وهولندا، وسويسرا، ونتيجة لإبلاغ من مجهول، حازك الجمارك البريطانية الأجزاء الثمانية الأخيرة من المدفعية الخارقة عام 1990، وبرغم تجنب ذلك العمل القانون، إلا أنه بقي قانونيًا كما بين القضاء البريطاني لاحقًا في محاولته غير الناجحة لمقاضاة ذلك العمل، فانهارت المحاكمة في عام 1992، حيث كشفت عن حصول الشركة على استشارة من الحكومة حول كيفية بيع الأسلحة إلى العراق..
اضافة تعليق