التاريخ مليء بالأبطال المجهولين. ويحصل أحياناً شخصٌ آخر على الثناء والشهرة بدلاً ممن يستحقها. تتنوع أسباب هذا التمييز. وفي حالتنا هذه، نرى أن “المجتمع الغربي” لم يقبل الاعتراف بهم في كتب التاريخ. تعرف على ابن الهيثم، الرجل الذي قام بتأسيس المنهج العلمي.
ولد ابن الهيثم فيما يعرف الآن بمدينة البصرة في العراق عام 965 م. وانتقل في مطلع القرن الحادي عشر إلى القاهرة، حيث أنتج هناك أكثر أعماله تأثيره. على الرغم من الغموض الذي يحيط بحياته هناك، وصلتنا عدة معلوماتٍ عن حياته وشخصيته. فقد كانت علامات براعته الفكرية وذكاءه واضحة جداً. كما كانت لديه حاجة ملحة إلى البحث في أمورٍ لا تسر وترضي عقلية مجتمعه في ذلك الوقت.
كان أول مشروع كبير له هو السد الذي نظم فيضان نهر النيل، ولكن لم يستغرق وقتاً طويلاً حتى أدرك أنه غير عملي. حصل بعد ذلك على وظيفة إدارية انتهت بالفشل أيضاً. ووفقاً لرواية تعود إلى القرن الثالث عشر، ورد أن الهيثم تظاهر بالجنون ليحمي نفسه من غضب الوالي، فقرر الوالي وضعه قيد الإقامة الجبرية بدلاً من إصدار حكم أكثر قسوة.
لم يكن هذا القرار بالسيء على الإطلاق. فهذا “السجن المريح” المليء بالنصوص والأدوات العلمية هو بالضبط ما احتاجه ابن الهيثم. حيث قام بالعديد من الأبحاث خلال العقد التالي.
أثبت ابن الهيثم أن الضوء يسير في خط مستقيم، وشرح آلية عمل المرايا، وقدم أدلة مقنعة (وصحيحة) عن انحناء الضوء عند انتقاله عبر الماء.
لكن أكبر إسهامٍ له هو ما يعرف اليوم المنهج العلمي. ومن المحزن أن ابن الهيثم لم يرغب بالإفصاح عن إنجازه للعلن. ولم يرغب بتقديم كلامٍ وفرضيات للناس على طبقٍ من ذهب، بل أراد أن يظهر لهم كيفية البحث والاستنتاج من خلال التجربة.
لذا قام بتوثيق تجاربه بدقة في أعماله الأكاديمية التي استمرت لأكثر من 40 عاماً. حيث تراوحت أعماله بين مواضيع مثل سلوك الضوء وحركة الكواكب وصولاً للهندسة والعمارة.
لا يُعد ابن الهيثم عالماً مشهوراً عند الغرب. لكن بالعودة إلى الماضي، أي منذ عدة مئات من السنين، كان الأوروبيون مولعين بأعماله. لذا تُرجمت كتبه المهمة إلى اللاتينية (ومنها كتاب علم البصريات) بعد مرور 100 عام على وفاته. حيث أصبح هذا الكتاب من أكثر الكتب مبيعاً نتيجة إقبال المفكرين الأوروبيين عليه، حيث قرأ مؤلفاته كلّ من روجر بيكون وكيبلر وليوناردو دافنشي.
وفي مقالةٍ تعود إلى القرن السابع عشر ميلادي تتحدث عن طبيعة القمر، وضِع اسم ابن الهيثم على لائحة أهم المفكرين إلى جانب جاليليو. لا شك أن العلوم الأوروبية تأثرت كثيراً بنهج ابن الهيثم. لذا من المفيد أن يحصل هذا المفكر على مزيدٍ من الاعتراف.
اضافة تعليق