لماذا يعيش بعض المدخنين لعمر الثمانين بدون اي مشاكل صحية؟ لماذا يعيشون لفترة اطول من غيرهم؟


إنها حقيقة راسخة أن التدخين عادة سيئة جدًا، حتى بكميات صغيرة. عندما يتعلق الأمر بالعوامل التي يمكن الوقاية منها والمسؤولة عن مجموعة من الأمراض الخطيرة، فإن تدخين السجائر هو أولها. ولكن كلنا نعرف شخصًا عاش لفترة طويلة جدًا على الرغم من أنه كان يدخن بكمية هائلة كل يوم من أيام حياته.

ما الذي يسمح لهؤلاء الأفراد بتجنب الضرر الذي تلحقه السجائر عادًة في جسم الإنسان؟ هل هناك سبب فطري يحافظ على صحتهم أكثر من غيرهم من المدخنين الذين يعانون من الأمراض المرتبطة بالتدخين مثل السرطان؟

تستكشف دراسة جديدة نشرت في سلسلة دوريات علم الشيخوخة هذه الأسئلة. على وجه الخصوص، يقوم المؤلفون بالتحقيق فيما إذا كانت هناك علامات وراثية قد تشير إلى الناس ذوي قابلية طول العمر. ونظروا في المدخنين منذ زمن طويل للعثور عليهم.
قام باحثون من جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس (UCLA) وجامعة جنوب كاليفورنيا (USC) بجمع مجموعة من المدخنين الذين عاشوا حتى سن ال 80 أو أكثر على الرغم من بقائهم على هذه العادة، وقارنوها على حد سواء مع غير المدخنين من نفس أعمارهم والمدخنين الحاليين الذين كانوا أصغر سنًا منهم. ووجد الباحثون أن مجموعات الأفراد الأكبر سنًا كانت متشابهة من حيث الوفيات، فضلًا عن علامات الإصابة بأمراض مثل وجود علامات للالتهاب في اختبارات الدم. على عكس مجموعة المدخنين الأصغر سنًا، الذين كانت لديهم معدلات أعلى من الوفيات مقارنًة مع غيرهم من نفس العمر، كما أظهروا علامات سوء الوظائف الفيزيولوجية بشكل أكبر. لم يكن متوقعًا أن يعيش الغالبية العظمى من الفئة الأصغر سنًا من المدخنين إلى عمر المدخنين الأكبر سنًا.

عن طريق إجراء التحليل الجيني على مجموعة المدخنين الأكبر سنًا ومقارنتها مع الأشخاص الأصغر سنًا، حدد المؤلفون مجموعة من التسلسلات الجينية تعمل معًا ضمن شبكة. باستخدام هذه التسلسلات، قاموا بحساب درجة الخطر استنادًا إلى عددها لدى كل شخص. ووجد الباحثون أن أولئك الذين يملكون عددًا أكبر لديهم احتمالية أكبر من أقرانهم للعيش فترة طويلة، فضلًا عن وجود انخفاض في معدل انتشار السرطان.
لم يكن الدور المميز الذي يمكن أن تلعبه هذه الجينات في الحفاظ على طول العمر جزءًا من هذه الدراسة. ويعتقد المؤلفون بأنها تشفر الوظائف التي تصلح الأضرار الخلوية الناتجة عن العوامل البيئية. وقد ذكروا أن التدخين له تأثير مخرب للحمض النووي الخاص بالشخص، ويعد عدم الاستقرار هذا ضمن جينوم الفرد أحد العوامل التي تساهم في نمو السرطان. فالتسلسلات الجينية المحددة لدى المدخنين الكبار في السن وذوي الصحة الجيدة، لها تاثير وقائي، ولهذا السبب نجوا بالرغم من التأثيرات المرضية الكبيرة لهذه العادة.

كما هو الحال مع جميع الدراسات، من المهم عدم القفز إلى أي استنتاجات ضخمة بناءً على أي مقال. من المحتمل أن يكون هناك العديد والعديد من العوامل الوراثية التي تساهم في عملية الشيخوخة، وقد لا يشكل هذا  سوى عددًا قليلًا منها. يبين هذا التقرير العلاقة بين مجموعة من التسلسلات الجينية والعيش لفترة طويلة، ولكننا بحاجة إلى المزيد من الدراسات لتحديد كيفية البحث عن علامات وراثية أخرى، والتي قد تلعب دورًا كبيرًا في طول عمر الشخص وقدرته على محاربة الضرر الذي يأتي مع الشيخوخة. لا يزال هناك الكثير لنتعلمه حول كيفية تفاعل الجينات مع بعضها البعض، وما تنجزه تلك التفاعلات تحديدًا داخل الجسم البشري.
لكن، وكما ذكر المؤلفون بوضوح شديد، الشيخوخة هي عامل الخطر رقم واحد للوفاة بين البشر.  إنها عملية نواجهها جميعُا، لا يمكن تجنبها إلا عن طريق البديل البغيض والذي هو الوفاة في سن مبكرة. يمكن لفهم العمليات التي تسهم في ضعف أجسادنا كلما تقدمنا ​​في السن أن يساعدنا في منعها أو إحباطها. تقدم هذه الدراسة أدلة يمكن أن توجه المزيد من البحوث في الاتجاه الصحيح.

هناك دائما معارضين قلائل للتغيرات، يدخنون علبة سجائر كاملة يوميًا من سن الثامنة عشرة ويعيشون حتى التسعين من العمر. ذلك لأن عدد قليل جدا من الناس أقل عرضة من الناحية الفيزيولوجية لشيخوخة الشرايين والآثار المسرطنة لدخان السجائر من بقيتنا. لدى هؤلاء الناس مستويات أعلى من الانزيمات التي تؤدي إلى تفعيل المواد المسرطنة الموجودة في الدخان. تتفاعل مركبات النتروزامين، وهي المنتجات الثانوية الناتجة عن تدخين السجائر،مع إنزيمات الجسم الخاصة لإنتاج مادة كيميائية جديدة محرضة للاتهابات ومسببة للسرطان، أو تحدث ضررًا للحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين (DNA). بعض الناس لديهم كمية أكبر بكثير أو أقل بكثير من إنزيم الأستلة البشري الذي يساعد الجسم على إزالة بعض المواد المسرطنة منه. يدعى الشخص الذي ينتج كمية أقل من هذا الإنزيم من غيره ب المؤستل البطيء ،  ويكون أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي، فضلًا عن أنواع أخرى من السرطان.

لا تفترض أنك واحد من الناس القلائل الذين لديهم جينات أفضل تقيهم من الالتهاب والإصابة بالسرطان. فإن ابتلاع أي من منتجات التبغ، سواء عن طريق التدخين، المضغ، أو استنشاق الدخان السلبي، يزيد من شيخوخة الجهاز المناعي (والشرايين). وأفضل طريقة لحماية نفسك من آثار التبغ المسببة للسرطان هي عدم التدخين على الإطلاق.


المصدر

ديانا نعوس

ديانا نعوس

طالبة في كلية الصيدلة، هدفي واحد هو العلم، وأؤمن بأنه الطريق الوحيد نحو الرقي، الطريق الوحيد نحو التغيير، الطريق الوحيد نحو الأفضل.

الاطلاع على جميع المقالات

اضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة مؤخرا

error: Content is protected !!