العراق الأرض التي شهدت المدنية الأولى،وعلى مر تاريخها شهدت تلاقح الحضارات الكبرى ونشوء أديان ومذاهب وحركات فكرية مختلفة، كانت أيضاً مهداً لطائفة اسلامية تدعى العلوية.
في القرن الثالث الهجري كانت الطائفة الشيعية أمام حدثٍ ضخم يتمثل في ما يدعى الغيبة الكبرى، حيث اختفى أو غاب الأمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري أخر أئمة الشيعة الاثني عشرية، هذا الحدث بمحوريته أدى إلى الانشقاق الثالث في البنية الشيعية، فغياب الإمام ترك فجوة دينية وزمنية, وكان من عادة الإمام اختيار شخص يتصف بالأخلاق الحميدة والعلم ليكون واسطة بينه وبين شيعته ليبلغ عنه وينقل تعاليمه، وهذا الشخص يدعى بـ “الباب”، هذه التسمية مأخوذة من قول الرسول محمد: “أنامدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب”،كان محمد بن نصير قد عاصر ثلاثة من الأئمة وكان باباً للإمام الحسن العسكري والإمام محمد المهدي،وعند غياب الإمام الأخير أعلن محمد بن نصير مرجعيته واستمرار بابيته، بينماأعلن منافسوه انتهاء بابيته بغياب الإمام، ودار صراع نفوذ انتهى بتغلب منافسيه وأما الذين التزموا مرجعيته عرفوا بالنصيرية نسبة لاسمه، وحتى اليوم بعض الشيعة ينفون بابية بن نصير في زمن الإمامين المذكورين.
خلال الزمن بدأت أفكار هذه الفرقة تتبلور وبرز الاسم الثاني فيها الحسين بن حمدان الخصيبي المولود 260هجرية وهو سليل أسرة متفقهة،وتنسب إليه قوننة تعاليم الطائفة، ويحتمل أنه منذ ذلك الوقت أصبحت تعاليمها سرية، وزار الخصيبيالعديد من المناطق والممالك واستقر في حلب في عهد سيف الدولة وتوفي فيها وقبره هناك، وألف العديد من الكتب منها الهداية الكبرى الذي أهداه لسيف الدولة وكتاب المائدة.
أسس تلامذة الخصيبيلاحقاً مركزين دينيين الأول في بغداد وقد دمر وانتهى بعد غزو هولاكو، والأخر في حلب انتقل لاحقاً إلى جبال اللاذقية بفعل التهجير والاضطهاد الذي مورس ضد الطائفة عبر السلطات المتعاقبة على المنطقة وخصوصاً في ظل السلطنة العثمانية التي استهدفت الأقليات بشكل عام.
العلويون جزء من الشيعة الاثني عشرية ولكن لهم تمايزهم الخاص وأفكار مستقلة تتخالف مع الشيعة، يتواجدون حالياً في سوريا على ساحل المتوسط كما يتواجدون في لبنان وتركيا.
ينظر العلويون إلى أنفسهم كطريقة عرفانية وليس كمذهب، ويعتبرون تعاليمهم منبثقة من تعاليم الإمام علي بن أبي طالب أقرب الناس الى النبي محمد وأصول الطريقة العرفانية تعمد على مصادر أربعة: العقل ثم القرآن ثم أحاديث الرسول والأئمة الاثني عشر ثم اجماع العلماء.
يحتفل العلويون بالأعياد الإسلامية المعروفة ولكن يضاف لها عيد الغدير حيث يعتبرون أنها مناسبة لتولية علي الخلافة بعد الرسول ويحتفلون بيوم مبيت علي في فراش الرسول، يعرفون باحترامهملعلماء الدين وتبجيل مقاماتهم، وينقسم العلويون إلى كثير من العشائر تعتمد على النسب أكثر من اختلاف حقيقي في العقيدة.
ومن المهم الإشارة إلى اعتماد هذه الطائفة على مفاهيم صوفية وتأثرها بالنزعات الغنوصية والمفاهيم العقلية كالأفلاطونية المحدثة, كما يرجح تأثرها بالبيئات المحلية عند انتقالها من العراق الى سوريا.
سياسياً وبعد الاحتلالالفرنسيلسوريا، شكلت دول طائفية ومنها دولة العلويين وعاصمتها اللاذقية واستمرت من 1920 الى 1936، ثم عادت سوريا دولة واحدة تحت ضغط سياسي وشعبي.
اليوم يظهر العلويون كطرف في النزاعات الأهلية والطائفية التي تشهدها المنطقة، وعبر التاريخ تم تكفير العلويين لقلة ما يعرف عنهم، فتبقى العلوية من المعتقدات المبهمة لحرصهم على بقاء أفكار الطائفة ضمن نطاق ضيق مما يعرضهم لسوء الفهم والاتهام بالكفر.
اضافة تعليق