لماذا تحلق الطائرات دون أن تعبر الأرض من تحتها ؟ ولماذا لا تأتي الصين؟

لطالما تساءلت عن هذا الأمر منذ الصغر، ومع ذلك، ما إن تتوقف لحظة وتتأمل الفكرة حتى تجد أن خط التفكير هذا غير منطقي، أليس كذلك؟ فجميعنا يدرك حقيقة أن الأرض تدور في محورها دورة كاملة كل أربعةٍ وعشرين ساعة، واعتمادًا على هذا المنطق البسيط، لماذا لا تقلع الطائرة ببساطة وترتفع في السماء ثم تحلق على أقصى ارتفاع بينما تدور الأرض من تحتها؟ وعندما تظهر الوجهة المقصودة أسفلها يسرع الطيار بالهبوط.

ألن ينجح هذا الأسلوب في توفير الكثير من الوقود وبالتالي تقليل نفقات الطيران بشكل كبير؟ ربما ترى أن ذلك بديهياً، ولكن قم بطرح هذه الفكرة على أحد أعضاء الملاحة الجوية، ستكون الإجابة هكذا …  «لا، لن تحصل على طائرة ترتفع إلى الأعلى وتدع الأرض تعبر من تحتها للوصول إلى وجهتك، إلا إن كنت ترغب بحرق كمية هائلة من الوقود وتجعل من رحلتك رحلة غير اقتصادية على الإطلاق.»

ما هي سرعة دوران الأرض؟ نحن نعلم حقيقة بعض الأشياء في العالم دون الحاجة لتوضيحها، تمامًا كما نعلم حقيقة أن 2+2=4 عوضاً عن 5، كما نعلم أيضًا أن الأرض تدور في محورها طوال الوقت، ومع ذلك، بما أننا لا نعيش في عالم صغير حيث باستطاعتنا رؤية الجبال والغابات والأبنية وهياكل أخرى تدور بشكل لا متناهِ، فإنه من الصعب بعض الشيء تصور دوران الأرض، لذلك نميل إلى تجاهل تأثيرها، ما يؤدي إلى طرح الكثير من الأسئلة، كالسؤال المطروح في عنوان هذا المقال.
وبالرغم من ذلك، فإنه حتى وإن لم نكن نرى الأشياء تدور من حولنا، هذا لا يعني أن الأرض لا تدور أيضاً، ففي الحقيقة إنها تدور دورانًا سريعًا جدًا، وتكون سرعة دوران الكوكب في أقصاها على خط الاستواء وبسرعة 1037 ميلاً في الساعة (1670 كيلو متراً في الساعة)، وتتناقص هذه السرعة تدريجيًا كلما ابتعدت عن خط الاستواء باتجاه الأقطاب، وسرعة الدوران هذه أسرع من العديد من الأشياء على الكوكب، بما فيها أسرع القطارات والسيارات وحتى الرصاص ، لذلك شيء واحد يجب أن يكون واضحاً وهو أن الغلاف الجوي ليس بثابتٍ؛ فهو يتحرك بسرعة جدًا.
إضافة إلى وجود نقطة أخرى خاطئة يفترضها الناس دائمًا وهي أن الغلاف الجوي “يبرح مكانه فقط” مغلفاً الأرض بأكملها ، لكنه لا يعمل بهذه الطريقة، فالغلاف الجوي ليس كيانًا مفردًا، فهو في الواقع مجموعةٌ من الغازات ومكونات أخرى تتحرك مع الأرض، ولوات جاذبية الأرض القوية لأفلت الغلاف الجوي قبل ملايين السنين، أو لم يكن موجودًا في الأصل، فالجاذبية تحافظ عليه ملتصقاً وتمنع الغازات من الإفلات للفضاء. نستخلص من هذا أنه وبسبب دوران الأرض، يُسحب الغلاف الجوي مع سطح الكوكب في حركة الكوكب الدائرية، بدلاً من أن يبقى ثابتاً.

إذن لماذا لا تستطيع الطائرات الارتفاع عموديا للأعلى لتدع الأرض تعبر من تحتها ؟ والآن بعد أن نظرنا إلى عاملين مهمين في هذه الفكرة المقترحة، يجب أن يكون من السهل فهم سبب الإجابة ب “لا” بهذه الطريقة الفظة، فخذ هذا بعين الاعتبار: عند رميك لحجرةٍ من أعلى مبنى، ستسقط قريبًا من القاعدة، وليس على بعد أمتار، وذلك بسبب دوران الأرض.
اعتماداً على منطق “ارتفاع الطائرة عموديا للأعلى وتحليقها في السماء”، ألا يجب أن يسقط الحجر على بعد بضعةِ أمتارٍ من قاعدة المبنى على الأقل؟ ألم تدور الأرض منذ الوقت الذي تحرر فيه الحجر إلى وقت ارتطامه بالأرض؟ وبالتالي تبتعد عن قاعدة المبنى؟
وبطريقة مشابهة، عندما تلقي كرة في الهواء أثناء مشيك، فإنها تهبط في يديك ليس في مكان ما خلفك، واعتمادًا على المنطق السابق فيما يخص التحليق في الهواء، يجب أن تهبط الكرة خلفك لأنك تحركت بعيدًا عن أسفل الكرة عند تحرك العالم.
ولكن ذلك لا يحدث، وبالمثل فإن الطائرة لا تستطيع التحليق في السماء والهبوط في مكان آخر.
وذلك لأنه عندما تتوقف الطائرة في المدرج، فإنها في الواقع تتحرك بهذه الوضعية بسرعة كبيرة (حوالي 1000 ميل في الساعة) بسبب دوران الأرض، وبالتالي عندما تقلع ستكون السرعة النهائية هي مجموع سرعتين مختلفتين، السرعة المكتسبة من إطلاق محركاتها، والسرعة التي تمتلكها من دوران الأرض في الأصل.

يدور الكوكب من الغرب إلى الشرق، لذلك عندما تقلع الطائرة فإنها تتحرك تلقائيًا نحو الغرب، وعند التحليق إلى مكان يقع إلى الغرب من المطار، يجب أن تتسارع الطائرة أسرع مما كانت عليه عند ذهابها شرقًا، وهذا يعني أنه ليس من الضروري أن تتسارع الطائرة بقدر ما يجب أن تفعل أثناء الذهاب للشرق وذلك بجعل الأرض تنزلق من تحتها، ومع هذا، لو كنت مصراً على الارتفاع إلى الأعلى والتحليق في السماء، فإن أول شيء ستحتاجه هو طائرة تستطيع التحليق لوقت طويل، (ولمعلوماتك , ليس لذلك تُبنى الطائرات)، وبذلك سوف تحتاج لكمية كبيرة من الوقود لحرقها لتبقى ثابتاً وتقاوم الرياح القوية التي تصفع الطائرة في الأعلى، وعلى العموم، السفر بهذه الطريقة ستكون فكرة مرعبة ماليًا وعمليًا.
ولكن إن قفز هذا السؤال إلى رأسك مرة أخرى، اسأل نفسك ببساطة : هل أستطيع التحرك من المقدمة إلى الخلف في حافلة تسير بسرعة ثابتة بالقفز إلى الأعلى وإلى الأسفل (داخل الحافلة) تاركًا الحافلة تتحرك تحتي ؟