على الرغم من حقيقة أنّ حوالي 550 شخص فقط لغاية الآن قد ذهب للفضاء يبقى السفر للفضاء الخارجي يأسر مخيلة الكثيرين حول العالم ويشغل تفكيرهم بأسئلة عديدة. كيف سيبدو شكل الحياة على المريخ؟ هل سنكتشف شكل آخر للحياة خارج سطح الأرض؟ ما هو مصير مجرتنا؟ هذه الأسئلة وغيرها الكثير تُطرَح وتبقى في أذهاننا بدون إجابة واضحة مع أسئلة جديدة أخرى تظهر كل يوم.
ومع احتمالية وجود فكرة السفر طويل الأمد للفضاء في الأفق فالمزيد والمزيد من الأشخاص يتساءلون؛ ماذا سيحدث إذا توفيت في الفضاء؟ سواء كنت في رحلة طويلة جدًا أو فقدت السيطرة كما في فيلم (Gravity) أو في حال تعرّض جسدك للفضاء الخارجي بدون البزة الخاصة، في مثل هذه السيناريوهات ماذا سيحدث للجسم؟ هل سيتحلل أو قد يتجمد أو هل سينفجر؟!
كإجابة قصيرة: ظروف الموت ستحدد فيما إذا كان جسدك سيتجمد أو يجف أو يتعفن ببطء أو يتحلل بشكل طبيعي، وفي كل الحالات سيكون على باقي أفراد الطاقم أن يقرروا ويجدوا طريقة لتخزين جثتك أو التخلُّص منها.
لنبدأ بأكثر السيناريوهات التي قد تراود مخيلتنا، وهو ماذا سيحدث فيما إذا وقعت من المركبة الفضائية بدون بزة واقية؟ حسنًا، باختصار ستعيش من 15 ثانية لدقيقتين خلالها سيتوذم جسدك بالماء بسبب غياب ضغط الهواء، وإذا حبست أنفاسك فالهواء سيتمدد في رئتيك مما يؤدي لتمزقها وموتك في الحال، وإذا لم تحبس أنفاسك قد تبقى واعيًا لدقيقتين، وعلى الفور تقريبًا سيبدأ الإشعاع الكوني بإحراق بشرتك، ولكنك في الغالب ستموت بسبب الاختناق.
على الأرض سيبدأ الجسد الميت بالتحلل بفعل البكتيريا في الهواء وداخل الجسم، ولكن في الفضاء لا يوجد أكسدة وبالتالي عملية التحلل لن تحدث، وعوضًا عن ذلك قد يتجمد الجسم (في حال عدم وجود مصدر حرارة قريب) أو تُسحَب منه السوائل -يجف- بما يشبه التحنيط وعندها وفي الحالتين ستتوقف جميع العمليات الحيوية فيه ويبقى بدون أن يتحلل وبهذا يمكن أن تسافر الجثة عبر الفضاء لملايين السنين قبل أن يصطدم بها شيء أو تتعرّض لقوى أخرى تؤثر عليها.
الآن سيختلف الوضع تمامًا لو مررت بنفس السيناريو ولكن مع ارتداء بزة فضاء واقية لأنها ستحتوي على هواء الزفير وبعض الحرارة وبالتالي تحلل الجثة لن يختلف كثيرًا عما يحدث في الأرض، ستستخدم البكتيريا الأوكسجين المتبقي بسرعة وتبقى بعدها عمليات تعفّن لا هوائية، وبكل الأحوال احتمالية وجود مصدر دائم للحرارة قليلة إلا في حال تعرُّض جسم لإشعاع شمسي مستمر، ومع ذلك الطوفان في الفضاء بجثة بطيئة التحلل قد لا يكون نهاية المطاف فالإشعاع سيقوم بتخريب مواد البزة الواقية وقد يستغرق هذا العديد من السنوات وعندما يصل ذلك درجة معينة سيتحرر ضغط الغازات المتشكل في الداخل مما يؤدي إلى انفجار صغير يدمر بقايا البزة والجثة المتعفنة داخلها.
في النهاية ماذا سيحدث لو توفيت داخل المركبة الفضائية في رحلة طويلة الأمد؟ في الوقت الحاضر لا يتم إرسال أي شخص إلى محطة الفضاء الدولية دون دراسة وضعه الصحي تمامًا والتأكد من سلامته البدنية ولم تُسجَّل لغاية الآن أي حالة وفاة، ولكن الرحل الفضائية طويلة المدة ستكون قريبة في العقود القليلة القادمة وسيتوجب التفكير بجميع القضايا والاحتمالات المصاحبة لها، وفي هذا الشأن فسلامة باقي أفراد الطاقم أهم ما يجب التفكير فيه، فالجثة المتحللة ستشكل خطر بيولوجي عليهم بسبب الغازات والرائحة والعوامل الممرضة الناتجة عن التحلل والتي قد تكون ضارة أو قاتلة.
ومع ذلك لا يوجد خطط معلنة للعامة للتعامل مع الجثث في الفضاء، ويبقى الحل الأكثر منطقية هو حفظ الجثة ضمن بزة محكمة الضغط -هذا لن يمنع التحلل ولكنه سيحدد التعرض للغازات المنبعثة من الجثة- توضع في أبرد مكان من المركبة الفضائية، في محطة الفضاء الدولية يمكن أن تحفظ الجثة ليتم إعادتها مع أقرب رحلة عودة، أمّا في الرحل البعيدة كالوفاة على المريخ مثلًا فالجثة غالبًا ستبقى هناك.
بكل الأحوال ومع استمرار شغفنا وفضولنا بالسفر واكتشاف الفضاء الخارجي سنضطر لمواجهة مثل هذه الأمور التراجيدية على الرغم من عدم حدوثها بعد إلا أنها ستحدث حتمًا في المستقبل، وسيتم التعامل مع تلك الأوضاع حينها بحسب ظروف الوفاة والرحلة.
اضافة تعليق