قد يساء فهم هذا السؤال ويبدو سطحيًّا وسهلًا في البداية، لكن أخذ نظرة عميقة وبعض التدقيق في التفاصيل يظهران أنه أعقد بكثير مما يبدو في الظاهر، هل هو سؤال عرقي أم وطني؟ هل تتعلق الإجابة بالإرث الثقافي أم بالمواطنة؟ هل يمكنك التحلي بصفة منهما دون الأخرى؟ هل يمكنك أن تبدو آسيويًّا، شرق أوسطيًّا أو أفريقيًّا وتكون إنجليزيًّا أو بريطانيًّا بالرغم من ذلك؟
إنجلترا هي دولة، مثلها مثل سكوتلاند وويلز وشمال آيرلند وجمهورية آيرلند، ثم هنالك الجزر البريطانية كجزيرة مان (Isle of Man)، جويمزي وجيرسي. أما الآن، فلنقم بتحليل السؤال:
تشمل الجزر البريطانية التقليدية جميع الجزر آنفة الذكر. تتكون جزيرة آيرلند من شمال آيرلند وجمهورية آيرلند، بعد استقلال جمهورية آيرلند وانفصالها عن الحكم البريطاني أصبحت الجزر البريطانية تشمل شمال آيرلند، ويلز، إنجلترا، جزيرة مان، جويمزي وجيرسي. أما المملكة المتحدة فتشمل إنجلترا، سكوتلاند، ويلز وشمال آيرلندا.
إن كنت من إنجلترا، فأنت إنجليزي بالمواطنة، وأنت بريطاني إن كنت من أية جزيرة من الجزر البريطانية. هذا يعني أن المواطنين الإنجليز فقط يستطيعون أن يكونوا إنجليزيين وبريطانيين في نفس الوقت، مواطنو سكوتلاند مثلًا هم إسكوتلنديون بالثقافة والهوية وبريطانيون أيضًا لكنهم ليسوا إنجليز!
لكن هذه ليست نهاية النقاش، فكل ما قمنا به حتى الآن هو تغطية الجانب الجغرافي من الإجابة، أما الآن سنتطرق نحو جانب الإرث ومكان الولادة، ماذا إن وقع شخصان في الحب، كلاهما ولد في إنجلترا ويحمل الجنسية الإنجليزية والهوية البريطانية. تزوجا وانتقلا للعيش في آيرلندا لسبب أو لآخر وأنجبا طفلًا بعد انتقالهما إلى آيرلند. هل يمكننا اعتبار الطفل بريطانيًّا فقط أم هو بريطاني وإنجليزي؟ حتى الآن يبقى النقاش من وجهة النظر الجغرافية، وتبعًا لوجهة النظر هذه نعتبر الطفل بريطانيًّا فقط وليس انجليزيًّا.
إذا أردنا مناقشة المواطنة، فهي تعتمد بشكل خاص على قوانين كل بلد، وهي تختلف فيما بينها لذلك سنقوم الآن بمناقشة المواطنة وليس الإرث الثقافي.
إذا انتقل الزوجان السابقان إلى الولايات المتحدة الأميركية مثلًا فسيكون مولودهم الجديد من مواطني الولايات المتحدة وهو ليس بريطانيًّا ولا إنجليزيًّا، بل هو أميركي.
لكن ذلك لن ينفي تأثير الإرث الثقافي الإنجليزي على هذا الطفل بغض النظر عن مكان ولادته والجنسية التي يحملها. في الحقيقة، سيتطبع الطفل خلال حياته بصفات البلد الذي نشأ به وقضى طفولته ضمنه. ينطبق نفس الجواب على زوجين أتيا من تايوان مثلًا للعيش في إنجلترا وأنجبا طفلًا هناك، ثم حصل الزوجان فيما بعد على الجنسية البريطانية أو الإنجليزية، سيكون هذا الطفل بريطانيًّا إنجليزيًّا ويحمل إرثًا ثقافيًّا للبلد الذي أتى منه والداه برغم عدم حيازته لجنسية البلد الأصلي، هذا ينطبق بالطبع على جميع المهاجرين من بلدان أخرى أو اللاجئين إضافة لذلك.
كما رأينا، ما كان من الممكن أن يكون جوابًا بسيطًا لسؤال بسيط يبدأ بالازدياد في التعقيد مع تعقد العلاقات والأنساب والأجيال المتلاحقة، بالعودة قرنين أو ثلاثة إلى الماضي، كان مظهر الإنجليزي التقليدي أبيض قوقازيًّا، ولكن مع مضي الزمن والهجرات المتلاحقة واختلاط الأعراق لم يعد هذا سائدًا كما كان في تلك الفترة وبدأت الخطوط الفاصلة بين الأعراق المختلفة تصبح ضبابية بالتدريج.
الآن وأكثر من أي وقت مضى، تلعب الجنسية والإرث التاريخي والثقافي أدوارًا معقدة ليصبح الجواب الآن أعقد منه في الماضي بكثير. فمثلًا سكان جمهورية آيرلند هم بريطانيون وجزء من الاتحاد الأوروبي أما سكان شمال آيرلند بريطانيون أيضًا لكنهم ليسوا جزءًا من الاتحاد. هناك أيضًا موضوع السلطة الحاكمة الذي لن نتطرق إليه الآن بسبب زيادة التعقيد. هكذا نرى أن الجنسية موضوع شائك ومعقد، والفرق بين الأعراق والهويات المختلفة قد يختلط أحيانًا ويتلاشى أحيانًا أخرى، يمكننا التعلم من ذلكّ وتذكر أننا على الرغم من خلافاتنا يجمعنا أننا بشر في النهاية.
اضافة تعليق