لطالما أثار هذا السؤال جدلاً واسعاً في الأوساط العلمية والاجتماعية حول مدى إقدام بعض الحيوانات على وضع حد لحياتها، وقد عاد هذا السؤال للظهور مرة أخرى بعد سماع قصص عديدة لحيوانات قامت بإنهاء حياتها بنفسها! بالعودة إلى التاريخ فإننا نرى أن الرومان كانوا ينظرون إلى مسألة انتحار الأحصنة لديهم كنوع من النبالة وعتبرونه أمراً طبيعياً، ولكن في المقابل يرى القديس توماس أكويناس أن الانتحار يمثل إثماً على الانسان وأما الحيوانات في لا يمكن لها أن تقدم على الانتحار لأنها محبّة للحياة بفطرتها.
ويذكر لنا الفيلسوف أرسطو عن قصة حصان قام برمي نفسه في وادٍ سحيق بعد اكتشافه وقوعه في الخديعة وممارسته الجنس مع أمه! واستشهد الباحث اليوناني كلاوديوس آليانوس ب21 حالة “تبدو” وكأنها انتحار بين الحيوانات من بينها عدة حالات لكلاب حرمت نفسها من تناول الطعام بعد وفاة أصحابها حتى ماتت جوعاً، وآخرى عن نسر “ضحّى” بنفسه حرقاً في المحرقة التي مات بها مدرّبه.
قامت صحيفة التايم عام 1845 بنش مقال مفاده أن كلباً وصفته بال”جيد والوسيم” قام بإلقاء نفسه بالنهر في محاولة للانتحار، وأنّنه بعد أن تمّ مساعدة الكلب وإخراجه من المياه فإنه عاد مسرعاً لإلقاء نفسه مرة أخرى ولكنه نجح في مهمته تلك ومات. وتبعاً للصحافة في ذلك الوقت فقد تداولت قصة بطة قامت بإغراق نفسها عمداً وقطة شنقت نفسها بين فروع الأشجار بعد موت صغارها.
علمياً فإننا نعلم على وجه اليقين بأن الحوانات من الممكن أن تعاني مشاكل نفسية بنفس الطريقة التي يعاني منها البشر كالإصابة بالاكتئاب والتوتر اللذان يعدّان العاملين الأساسيين في إقدام بعض البشر على الانتحار، ولكن تبعاً للطبيب النفسي أنطونيو بريتي من جامعة كالياري في إيطاليا والذي قام بمراجعة 1000 دراسة علمية بخصوص انتحار الحيوانات على مدى الأربعين سنة الماضية فإنه وجد بأنه لا يوجد أي حيوان يقوم بالنتحار عمداً وأن كل تلك القصص المذكورة في كتب التاريخ حول حوادث لانتحار الحيوانات خي مجرّد أساطير، وأن تلك الحالات التي يقدم فيها الحيوان الأليف كالكلب مثلاً على إنهاء حياته بعد موت صاحبه فإنها ناتجه عن خلل نفسي ناتج عن فقدان ذلك الرابط الاجتماعي بينه وبين صاحبه، وهذا لا يعتبر انتحاراً لأنه ببساطة ليس قراراً واعياً، فالحيوان الذي يكون مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بصاحبه لن يتقبل تناوول الطعام من شخص آخر حينها، أي أن معظم الحالات التي يروّج لها الإعلام على أنها حالات لانتحار الحيونات تكون في الأصل ناتجة عن تدخل بشري مباشر أو غير مباشر كالصيد الجائر أو الحبس أو موت صاحبها.
وفي رواية أخرى جرت في إحدى المزارع الصينية عن أنّ إحدى إناث الدببة قامت بقتل صغيرها ومن بعدها بقتل نفسها، وبعد القيام بالعديد من التقارير الطبية حول الموضوع وجد الطبيب النفسي أنطونيو بريتي إلى أن ذلك الفعل قد يكون انعكاساً غير واعٍ لمحاولة أنثى الدب بالهروب من الأسر.
وفي دراسة نشرت عام 2013 مفادها أن بعض الفئران من الممكن أن تفقد خوفها الفطري من القطط فتتركهم يقومون بالتهامها ووجد الباحثون أن السبب كان إصابة تلك الفئران بطفيل “التوكسوبلازما” وليس لذلك أي أسباب أخرى ناتجة عن وعي مسبق.
كما أن قيام أناث بعض أنواع العناكب بترك نفسها كوجبه لصغارها بعد فقسهم من البيوض لا يعتبر انتحاراً وإنما سيرورة طبيعية للإبقاء على حياتهم.
كخاتمة لما سبق يبدو لنا السؤال عمّا إذا كانت الحيوانات تتعمد إنهاء حياتها أم لا غير وجيه، حيث أن الحيوانات لا تمتلك مستوى متطور من الوعي كالذي يمتلكه الانسان، إذ أنه يعتبر الكائن الوحيد في المملكة الحيوانية القادر على فهم الفكرة المجردة لوفاة الشخصية، وبالتالي فإنه من غير المنطقي أن يكون بمقدور الحيوان التسبب في وفاته الذاتية في حين أنه غير قادر على تخيلها أو فهمها، وبذلك يكون الانتحار فعلاً مميزًا لا يستطيع القيام به إلا الإنسان.
المقالة رائعة جداً واصل، لكن فيها بعض الأخطاء اللغوية