حوض الرافدين الخِصب احتضنَ عبر تاريخه بداءاتِ الحضارةِ الإنسانية، إضافةًإلى تأثيره الفكري في محيطه الجغرافي، فنشأت فيه الكثير من الديانات والمعتقدات، التي استمر بعضها حتى يومنا الحالي، سنتحدث عن ديانة نمت فيه ولازالت حية الآن وهي الإيزيدية.
لازالت نشأة هذه الديانة موقع جدل واختلاف بين الباحثين، وذلك بسبب انغلاق المجتمع الإيزيدي على نفسه، والغموض الذي يحيطون أنفسهم به،وبسبب الكتابات التي نشرت عنهم من دون معرفة أو إلمام بهم، تعد الديانة الإيزيدية غير تبشيرية كحال العلوية والدرزية، بالتالي لا يعتقنها إلا من ولد بها، الكثير من تعاليمها شفهية تتناقل دون كتابة، وتعتمد اللغة الكرمنجية في كافة طقوسها، تأثرت هذه الديانة بالمعتقدات النسطورية والميثرائية والإسلامية، والإيزيديون يبجلون القرآن والإنجيل الى جانب كتبهم.
جينيًا يعد الإيزيدون أقرباء للعرب والسريان، ويعتقد بعض الباحثين أن الإيزيدية هي ديانة الأكراد الأولى قبل الإسلام، اليوم يتراوح عدد معتنقيها ما بين الـ 500 أو الـ 700 ألف، يتوزعون بين العراق وسوريا بشكل أساسي، إضافة لتركيا وأذربيجان وأرمينيا، وحديثاً في ألمانيا والسويد. تعرض أتباع هذه الديانة إلى سوء الفهم نتيجةً لمعتقداتهم غير المألوفة، حيث يتم اتهامهم بعبادة الشيطان، وهذا عرضهم لمذابح كثير تجاوزت السبعين مذبحة، أخرها مجازر الدولة الإسلامية “داعش”، والتي سلطت الضوء عليهم عالميًا.
تسمية الإيزيديين مشتقة من الكلمة الفارسية إيزيد والتي تعني الرب أو المعبود، فمعنى كلمة الإيزيديين عبدة الرب، ولا علاقة لها بيزيد بن معاوية ثاني الخلفاء الأمويين، أما هم فيطلقون على أنفسهم اسم الدواسين أو الداسينيين. في الميثولوجيا الإيزيدية خلق الإلهسبع ملائكة من نوره وأوكل إليهم حكم الكون، ومنهم عزازيل الذي يسمى طاووس ملك، ثم خلق الإله آدم وأمرهم بأن يسجدوا له فسجدوا إلا طاووس ملك، لأنه تذكر وصية الرب بأن لايسجدوا إلا له، ففاز بالاختبار وجعله حاكم الكون، فهم لا يؤمنون بكائن شرير منفصل عن الذات الإلهية، ويرون أن الشر من فعل الإنسان الذي يمتزج فيه الخير مع الشر ومهمته تنمية الخير.
يقدس الإيزيديون الشمس والقمر والنجوم على أن الإله موجود في كل نور وهذه الظواهر تجسيد لقدرته، والتوحيد وعدم الشركأساس الدين، كما أن للصيام عدة أشكال، فرجل الدين عليه فرض صيام 80 يوم هي أربعينية الشتاء والصيف، وهم يتبعون التقويم المسيحي الشرقي، كما أن على العامة صوم ثلاثة أيام تدعى صوم الله، يصومون فيها عن كل ملذات الدنيا، وموعده شهر كانون الأول الشرقي.
يعتقد الإيزيديون أن الروح من الإله فهي لا تموت ولا تفنى، بل تنتقل من جسد لأخر بحسب أعمال الإنسان، كما أنهم يعمدون الأطفال بالماء. يصلي الإيزيديون خمس مرات في اليوم، الفجر والشروق والظهر والعصر والمغرب، ويتخذون من الشمس قبلة لهم عدا في صلاة الظهر التي يتجهون بها إلى “لالش” حيث مقام عدي بن مسافر، وهوأهم شخصية إيزيدية، ويشار إليه في الأبحاث على أنه من الصوفيين الزهاد من أصول أموية، ولد في بعلبك القرن 12 ميلادي، وهاجر الى لالش وأعاد إحياء وتنظيم الديانة الإيزيدية، ويعتقدون بأنه تجلي لطاووس ملك وبه أراد تنظيم الدين.
تنقسم الديانة الإيزيدية إلى ثلاث طبقات يحرم الزواج فيما بينها، طبقة الشيخ وهي الأعلى دينيًا، وطبقة البير وطبقة المريد وتمثل غالبية الإيزيديين، لهم أعياد عدة منها عيد الميلاد في 25 كانون أول شرقي، وهو عيد ميلاد عدي بن مسافر وأول يوم من عيد الأضحى وعيد أربعينية الصيف وعيد رأس السنة في أول أربعاء من شهر نيسان. رغم كل ما مرت به، تبقى هذه الديانة لتعطي الأمل بأن هذا الشرق لن يفقد مكوناته خلال الأزمات.
اضافة تعليق