يعد العصر العباسي من أرقى العصور العربية حضارةً، حيث استمر حتى 1258م عندما هاجم هولاكو بلاد الشام والعراق وقضى على الدولة العباسية التي بقيت أكثر من خمسة قرون.
وتميز بانقسامه إلى عهدين، العهد الذهبي وعهد الانحلال السياسي.
استطاع أن يتقدم هذا العصر رغم القهر و الانحطاط الذي عانى منه في سنواته الأخيرة، حيث أصبح مركزاً حضارياً مهماً.
ومن الطبيعي في خضم هذه الأوضاع الاجتماعية والسياسية أن يبتعد عن الحضارات الأخرى ويقوم بتصدير فنون وعلوم خاصة به، مما انعكس على الحياة بشكل عام وعلى الفن الأدبي بشكل خاص.
الفنون الأدبية في العصر العباسي:
1- الخطابة
كانت الخطابة منتشرة في بداية هذا العصر، وخطبهم لا تختلف في جوهرها عن خطابة العصر الأموي وصدر الإسلام. فأصبح اللسان والسلاح شريكان في تلك الأوضاع.
وعندما قضى العباسيين على الأمويين والشيعة، فلم يعد هناك سبب لطلاقة اللسان وتحفيز الناس وترغيبهم بالقتال.
فلم يبقى للخطابة أثر في قلوب الناس ونفوسهم بعد نهاية الفتوحات. وهكذا تراجعت الخطابة في العصر العباسي واقتصر أمرها على أئمة المساجد وتطبعت بالطابع الديني.
2- الكتابة
بعد انحسار و تراجع الخطابة، فكان لابد للكتابة أن تنوب عنها، وكانت الترجمة أداة مهمة للحركة العلمية التي تطورت بفضل نوابغ من الغرب منهم السريان والفرس. وبالتالي تعددت الثقافات في ذلك العصر. مما أدى إلى ازدهار النثر منه النثر الفني، والأدبي، والعلمي، والفلسفي. وأصبحت الكتابة هي دليل العصر للمعرفة والعلوم.
إن فن الكتابة لا يختلف بمضمونه عن الخطابة إلا من ناحية الحجم، فالخطبة كانت محدودة بزمن بينما الرسالة تطول و تقرأ بتأني وتفهّم. فكانوا يكتبون الرسالة للحدث الكبير، ويلقون الخطبة للحدث العظيم. بالتالي أصبحت الكتابة هي الوريث الشرعي للخطابة.
3- الشعر
شهد هذا الفن في العصر العباسي عدد لا بأس به من الشعراء منهم بشار بن برد، وأبي نواس، وأبي العتاهية. وأيضاً اشتهر في العصر العباسي أبو تمام، والبحتري، وابن الرومي. ومن بعدهم جاء أبو الطيب المتنبي، وأبو العلاء المعري. وارتقت طرق التعبير و ازدهر الشعر العربي كما لم يزدهر من قبل.
وحرص الشعراء على أن يستمر شعرهم بذات الأغراض السابقة وأن يسيروا على خطى الشعراء العظماء السابقين.
ومن أغراض الشعر:
– الغزل
امتاز الغزل بالعصر العباسي لارتباطه بأحاسيس الحب و الشوق، وأقبل الشعراء عليه بشكل كبير. فانتشر وتطور بشكل واسع جداً. ولكن بدأ الغزل العفيف بالتراجع في هذا العصر. وتألق الغزل الصريح وانتشر. واشتهر في الغزل البحتري بسبب كلماته الحساسة ومفرداته العذبة وسلاسة أشعاره ورقتها.
– المديح
ظل الشاعر مواظباً على ذكر الصفات الرفيعة و القيم العظيمة في نفس الممدوح، فظلت سمات الكرم والبسالة والحلم و الشرف و المروءة طاغية على شعر هذا العصر. وكان ما قام به الخلفاء العباسيين من تضحية وشجاعة أمراً كافياً ليتغنى بهم الشعراء و يمدحونهم.
– الرثاء
فهذا الغرض من الطبيعي أن تبقى مكانته رفيعة بين الناس، بسبب انطلاقه من عواطف الحزن والألم. كما أن هذا الغرض اشتهر وتألق في هذا العصر وحظي بغنى عظيم بفضل شعراء أبدعوا فيه وفي بقية أغراض الشعر. حيث لم يمت وزيراً ولا قائداً ولا خليفةً إلا رثوه رثاءً عظيماً، ذاكرين في قصائدهم كل ما كان يتغنى به من صفات نبيلة.
– الهجاء
أما هذا الغرض فقد غير منحاه عما كان عليه في العصر الأموي، فاختفت فيه نزعة تجريح الخصم بسبب أصله، أو وضاعة نسبه. حيث لم يكن للأنساب تلك الأهمية في العصر العباسي. فتركز الهجاء بذكر عيوب المهجو. وهذا المسار أبعد عن الشعر الشتائم والألفاظ الجارحة، وقرب منه النقد البناء والتصوير.
ولا بد من ذكر أن القول كثر على صعيد الشعر في أدب العصر العباسي، نتيجة لكثرة جوانب الحياة وتداخلها. فكان لوصف مناظر الطبيعة المختلفة مكانة جيدة في هذا العصر. كما وصفوا لنا الأيك والحمائم، والرياض والأزهار. ومنهم من وصف الحدائق و الرياحين.
كما كان لوصف المدن والعمران حيز جيد لشعراء الحواضر، حيث عرفوا حياة الأمراء فوصفوا القصور والرفاه والكثير من مناحي الحياة الجديدة البراقة.
كما لم ينسوا شعراء هذا العصر شؤون الحياة العامة بعيداً عن حياة الترف والثراء.
اضافة تعليق