ما الفرق بين آدم سميث و كارل ماركس


من بين أكثر الاقتصاديين تأثيراً خلال القرون الماضية، يبرز كلا من آدم سميث و كارل ماركس لمساهماتهم النظرية، وفيما يخص طبيعة وأسباب ثروات الشعوب، وفي السوق الحرة حيث يتاح للمنتجين حرية الإنتاج قدر ما يرغبون ويفرضون الأسعار الراغبين بها على المستهلكين، اقترح آدم سميث أن هذه السوق تنتج أكثر الاقتصاديات فعالية ورغبة لكلا المستهلكين والمنتجين بسبب ما سماه باليد الخفية وهو مصطلح يستخدم لوصف الفوائد الاجتماعية غير المقصودة للأفعال الفردية، أما الأساس المنطقي الذي استعان به هو أن كل فرد سوف يحاول تحقيق أقصى قدر من ربحه، ولتحقيق هذا فإن المستهلكين لن يدفعوا سوى أقل أو يساوي القيمة التي يستمدونها من السلعة، وأن المنتجين لن يبيعون إلا بما يساوي أو أكثر مما سوف ينفقونه على إنتاج السلعة، وفي الصورة المثالية للاقتصاد كما يراه آدم سميث، لن يكون هناك فائض أو عجز أو حتى طلب؛ سوف يبقى السوق في توازن، وسوف تبلغ العائدات لكلاً من المستهلكين والمنتجين قيمتها القصوى، لذا سيكون دور الحكومة محدوداً في هكذا نظام اقتصادي.
بالمقابل، برهن كارل ماركس في كتابه رأس المال أن العمال سوف يتم استغلالهم من قبل أي رأسمالي، أو مالكي المصانع، وأن النظام الرأسمالي سيعطي أفضلية متأصلة لمن هم أغنياء بالأصل وضرراً لمن هم فقراء بالأصل في المجتمع، لذا سيزداد الأغنياء غنىً وسيزداد الفقراء فقراً، وأبعد من هذا، فإن الرأسمالي كما وصفه ماركس سيبقى دائماً في موقع أفضل للتفاوض على رواتب متدنية لعماله، وقد جادل في واحدة من أكثر نظرياته مساهمة – نظرية العمال للقيمة – ادعاء أن قيمة السلعة أو الخدمة ترتبط مباشرة بقيمة العامل المطلوبة لإنتاجه، والمثير بالأمر أن كارل ماركس أمتلك أفكاره السياسية المتطرفة التي كانت دائماً بعيدة كل البعد عن أفكار آدم سميث.
فترض ماركس أن الطبقتين الموجودتين في المجتمع – البرجوازيين والبروليتاريا – ستبقيان دائماً عالقتين في مكانهما بسبب طبيعة الرأسمالية، الطبقة البرجوازية الغنية والمالكة لرأس المال لن تملك فقط المصانع بل ستسيطر أيضاً على «وسائل الإعلام، الجامعات، الحكومات، البيروقراطيات» ولذا ستبقى حالتها الاجتماعية غير قابلة للتغيير، أما الفقراء أو الطبقة العاملة وما سميت بالبروليتاريا، ستفتقد أي وسائل فعالة للتعويض عن أعمالهم الشاقة، وقد كان الحل لهذه المشكلة من وجهة نظر ماركس، في أن تثور البروليتاريا وتكون نظاماً اجتماعياً جديداً حيث لن يكون هنالك فروقات بين شرائح المجتمع؛ لن يكون هنالك وجود لأي طبقات، وملكية عامة لكامل رأس المال سوف تضمن بدورها توزيعاً متساوٍ للثروات.

بينما كافح آدم سميث ليثبت أن النظام الاقتصادي الأمثل هو الرأسمالية، كافح ماركس ليثبت العكس، وقد عارض آدم فكرة الثورة لاستعادة العدالة للجماهير لأنه احترم النظام والاستقرار فوق التحرر من الاضطهاد، وحافظ ماركس بقوة على فكرة القائلة بأن الرأسمالية تؤدي إلى الجشع واللامساواة.
رأى كارل ماركس أن المنافسة تنتج جشعاً، مما يسبب عدم استقرار وظلم في المجتمع، وقدمت الشيوعية النموذج الأفضل – سياسياً واقتصادياً – بالملكية العامة للرأس مال، والإنتاج ووسائله اللازمة لتوزيع الثروة بتساوٍ والقضاء على الفروقات بين البرجوازية والبروليتاريا معاً، واستناداً إلى ماركس، لم يسلط سميث الضوء على ملكيات الأراضي أو الأغنياء الارستقراطيين كما فعل ماركس، وضح سميث كيف يحصد شخص ما الفوائد الاقتصادية المتناسبة مع جهوده والتي تضاف في المحصلة إلى الثروة الاقتصادية، وآمن بأنه في اقتصاد السوق الحرة، سيتمكن الفرد من الكسب والإنفاق بحرية، وسوف تسمح السوق الحرة للعامل بأن يكون مستهلكاً أيضاً، وعندما يقوم العامل بشراء السلع والخدمات، فإن هذا سيقود إلى عائدات لعملاء آخرين، وأكثر من ذلك فإنه سوف يدفع بالنشاط الاقتصادي إلى الأمام، واستناداً إلى سميث؛ فإن الفرد الاقتصادي سوف يكون مستمتعاً بمساهمات الأفراد الآخرين في المجتمع عبر تأثير التقطير حيث سوف ينفق العامل الأساسي ماله، هذا المال الذي اكتسبه من قبل منتجين آخرين للسلع والخدمات، مما يسمح للعميل الاقتصادي الآخر بالكسب ثم إنفاق المال، وهكذا تدور العجلة لتساعد الاقتصاد ليتضاعف مرات عديدة مما كان عليه في بادئ الأمر.

في المقابل، أصدر كارل ماركس أحكاماً نظرية بأن الرأسمالية ترتبط في جوهرها إلى مجتمع غير متساوٍ حيث يتقسم فيها المجتمع اعتماداً على الطبقة التي ستكون دائماً وصلبة، وشخص ما ولد في طبقة بروليتارية سيبقى عالقاً في هذه الطبقة إلى الأبد، وشخص ما ولد في الطبقة البرجوازية سوف يستمتع دائماً بفوائد الارستقراطية على حساب البروليتاريا، كما اعتقد أن البرجوازية سترغب في تحقيق أكبر قدر من العائدات، ولتحقق ذلك ستبقى الرواتب متدنية قدر الإمكان، مما يضرب الطبقة العاملة في حلقة وحشية من الفقر أو توزيع لن يستطيعواً الهرب منه أبداً.
واحدة من الأخطاء التي اكتشفها كارل ماركس كانت في ميل كل عميل اقتصادي إلى تحقيق أكبر قدر من الأرباح، وادعى أن القيمة التي يضيفها العامل هي أكثر من الأجور التي يتلقاها؛ ويقصد هنا الفرق بين القيمة التي ينتجها العامل والأرباح التي يجنيها الرأسمالي من هذا العامل، وعن طريق التخلص من جميع الرأسماليين، فإن اقتصاده الأمثل سوف يصبح أكثر تساوياً، وعدلاً، مما تحققه الرأسمالية الخالية من أي تدخل للحكومة، وأي ملكية خاصة، وأي منافسة.
في الخاتمة، بينما يتفق كلاً من آدم سميث وكارل ماركس على بعض النقاط الأساسية، فإنها يختلفان كلياً في وسائل إنتاج السلع والخدمات وتوزيع المصادر، حيث يذهب كارل ماركس بعيداً جداً باقتراح ثورة للبروليتاريا ضد البرجوازية لتحقيق مجتمع أكثر عدالة ومساواة، أما آدم سميث فهو يفضل الاستقرار والسلام على الثورة، يتصور آدم سميث مجتمع مثالياً لن تتوزع به المصادر بتساوٍ ولن يقضى فيه على الفجوات بين طبقات المجتمع المختلفة، سينتج اقتصاد ماركس المثالي، استناداً إلى توجيهات السلطة المركزية، وتوزيع الموارد اعتماداً على جادات العامة، وفي هذا الاقتصاد المثالي، تصور ماركس القضاء على الفروقات الطبقية وتقدير مناسب لجهد العامل، والذي هو أمر غير ممكن في مجتمع رأسمالي وبحضور رأسماليين ساعي للربح الذي يحرمون العمال من حصتهم الكاملة من أرباحهم.


 

قصي أبوشامة

قصي أبوشامة

قصي أبوشامة
مهندس مدني من الأردن، أسعى إلى زيادة الوعي في التقدم المعرفي والمنهج العلمي وتعزيز بنية الفرد العربي ثقافياً وإنسانياً

الاطلاع على جميع المقالات

اضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة مؤخرا

error: Content is protected !!