غدا عدد من المفاهيم الخاطئة المتعلقة بلغة الجسد جزءًا من ثقافتنا الحديثة، وهذا بفضل برامج التلفاز وخبراء النفس المزعومين الذين يعلقون على المرشحين خلال موسم الانتخابات الأمريكية، لذلك من الضروري إزالة اللبس عنها،. إليك سبع حقائق عن لغة الجسد.

1) الكثير مما يخبرك به الخبراء عن لغة الجسد خاطئ: إن أكبر سوء فهمٍ يروج له الخبراء المزعومين هو امتلاك حركات معينةٍ تفعلها بيديك لمعانٍ محددة، ولكن الأصح هو أن حركات اليدين مبهمة ويمكن أن تعني أشياء كثيرة، فبتكتيف ذراعي من الممكن أني أشير إلى وضعية الدفاع، ولكن من الممكن أني أشعر بالبرد أيضًا، أو أنني متعبٌ ببساطةٍ وأسند نفسي بذراعي، أو أنني أرتاح بهذه الوضعية، ومن الممكن أيضًا إشارتي لكل هذه الأشياء في آنٍ معًا، فمن المحتمل أني أشعر بالبرد ومتعبٌ وأعطي وضعية الدفاع وأرغب في الراحة في نفس الوقت. وينبع سوء الفهم من مصدرين، الأول هو الضغوط الواقعة على الخبراء ليبدون حاسمين بإبدائهم لتحاليل فورية لقنوات التلفاز في عالم قليل الصبر يهتم بالمقاطع الصوتية المقتطفة من برامج أو مقابلات لملاءمتها المحتوى أكثر من الحقيقة، والثاني هو تاريخ دراسة لغة الجسد، إذ بدأت بما نسميه نحن في المجال «الشارات» وهي تلك الحركات النادرة التي تمتلك معانٍ محددة كاصبع الوسطى، وإشارة السلام، وإيماءة الموافقة وما إلى ذلك، فكان من الطبيعي التفكير بتحيز بقية الإيماءات لمعانٍ معينة.

2) الوجه ليس بالمكان المناسب لبدء قراءة لغة الجسد: نتعلم بمرور الزمن إخفاء مشاعرنا الحقيقة – على الأقل عند ظهورها على أوجهنا- بسبب الحاجة للمضي قدمًا في عملك والمنزل والمجتمع، لذلك نتظاهر بالاهتمام والابتسام، ونضع تعبيرًا لطيفًا على أوجهنا عند الشعور بالانزعاج وما إلى ذلك، وبالطبع لسنا مثاليون في هذا الخداع المهذب، فلا نستطيع دائمًا كبت تعابيرنا، ولكن الوجه الذي نظهره للعالم في الغالب هو قناعٌ مهذب يخفي مشاعرنا الحقيقة، والواقع أنه شيءٌ جيد إذ يتيح لجميعنا المضي قدمًا.

3) ولكن الوجه يعبر أحيانًا عن أقوى مشاعرنا: يمكنك تعلم قراءة ما يدعى بالتعبيرات الدقيقة مع قليلٍ من التدريب، وهي تسربات فجائية من قناع الوجه لمشاعر حقيقية، تعبر هذه التعبيرات الدقيقة في مدةٍ أقل من الثانية، ويتطلب ملاحظتها عملًا دقيقًا، إذ أنها تظهر عندما نحاول إخفاء شعورٍ قويٍ جدًا مغايرٌ لما نعترف به ظاهريًا، سينطلق عندها الشعور الحقيقي فجأة وبسرعة عبر الوجه كومضةٍ برقٍ في الظلام ويختفي.

4) تشير لغة الجسد إلى غاية عاطفية وليس معنًى محدد: تنقل لغة الجسد غايتنا العاطفية بدقة، وفي الحقيقة تظهر دراسات العقل أنه أيًا كان شعورنا فإنه سيظهر أولًا على أجسادنا، ولاحقًا (جزء من الثانية بعدها) يظهر على عقولنا الواعية، فتعلم أجسادنا أولًا إن كنا جائعين أو غير صبورين أو غاضبين أو سعيدين، فتظهر نتيجةً لذلك إشارات موثوقة لهذه المشاعر، فتعلم قراءة لغة الجسد إذا ما هو إلا فهم لأهداف الأشخاص الآخرين، وليس أفكارهم الواعية بالتحديد. وبينما يجيد معظمنا إخفاء المشاعر من على الوجه، فإننا لسنا جيدين في تمويه ما نشعر به في بقية الجسم، ذلك لأن الجسد يعلم بالمشاعر أولًا، وبحلول الوقت الذي يدرك فيه العقل الغضب أو الفرح، سيكون قد ظهر مسبقًا على الجسم، وبهذه الطريقة يمكنك تعلم ملاحظة وقراءة لغة الجسد.

5) تستطيع قراءة لغة جسد الأشخاص الذين تعرفهم أكثر مما يستطيع الخبراء قراءته عنهم: الخبر الجيد بحق هو أنك مسبقًا خبيرٌ أكثر من الخبراء أنفسهم في قراءة النوايا أو الغايات العاطفية للأشخاص الذي تعرفهم، فكر بذلك، فأنت تعرف مسبقًا عندما يكون زوجك غاضبًا، أو عندما يشعر طفلك بالملل، أو عندما يرغب رئيسك في العمل بإنجازك للعمل حالًا، إلا إن كنت جاهلًا تمامًا، ويمكن أن يخدعنا الأشخاص الذين نعرفهم بالأكثر بالطبع، ولكن ذلك ليس في الأمور المهمة ولفترةٍ طويلة.

6) لقراءة لغة الجسد بدقة، لا تفكر بها: إن مهارة اللاوعي التي تمتلكها هي حليفك الأفضل في قراءة لغة جسد الآخرين، لأنك تعلم مسبقًا ما يجري، فما الأمر إلا جلب تلك المعرفة من عقلك الباطن لعقلك الواعي من أجل العمل على المعلومة بوعي، لذلك دع عقلك الباطن يقوم بالعمل الشاق، وأنصت إلى لا وعيك بحثًا عن أي معلومة مفيدة عن نوايا الآخرين ومشاعرهم. كيف تبدأ؟ ببساطةٍ اسأل عقلك الباطن وانتظر الإجابة، فأنت تعلم بالمسبق، وهذا ما يعنيه الناس عند تكلمهم حول الغريزة، فهذا ليس سحرًا أو كلامًا كونيًا، بل تسجيل عقلك الباطن لدرجة الحرارة العاطفية لكل شخصٍ حولك، فقط اصغِ إلى غريزتك وسيفهم عقلك الواعي ذلك أيضًا، وستتطور قدراتك بسرعةٍ مع الممارسة.

7) لديك ثلاثة أدمغة، يجيد اثنان منهم قراءة لغة الجسد: إن عقلك الواعي سيءٌ في قراءة لغة الجسد، ذلك لأن التطور دفع بتلك القابلية لعقلك الباطن الأكبر والأسرع والأقدر على تولي المهام في أجزاء من الثانية، ويتجاوب مع الخطر قبل عقلك الواعي بفترة طويلة، ولكنك تمتلك عقلًا ثالثًا يقع حرفيًا في أمعائك، ففي الحقيقة تمتلك معدتك خلايا عصبية أكثر من التي تمتلكها قطة في رأسها، وذلك العقل الموجود في أمعائك مرتبطٌ بالعقل الباطن في رأسك، فعند إدراكك أنك متوترٌ على سبيل المثال، فإن ذلك نهاية عمليةٍ طويلةٍ لتبادل الإشارات العصبية حول ذلك التوتر بين عقلك الباطن وأمعاؤك، فتشعر عندها بالفراشات في معدتك، فالمعدة جيدةٌ في إخبارك إن كان هناك أي خطر أو فرصة لذلك، لأنها جزءٌ من النظام الاستشعاري المعقد جنبًا إلى جنب مع عقلك الباطن الموجود في رأسك والذي يتفحص محيطك باستمرارٍ. لذلك ابدأ في الاهتمام بخبرتك الخاصة، فمن هناك تأتي بصائر لغة الجسد الحقيقية.

قصي أبوشامة

قصي أبوشامة

قصي أبوشامة
مهندس مدني من الأردن، أسعى إلى زيادة الوعي في التقدم المعرفي والمنهج العلمي وتعزيز بنية الفرد العربي ثقافياً وإنسانياً

الاطلاع على جميع المقالات

اضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة مؤخرا

error: Content is protected !!