تزداد القصص المأساوية التي تتحدث عن “التفكك الأسري” يومًا بعد يوم، وتتعدد أشكال تلك القصص بما يتناسب مع التنوّع الأجتماعي، إلا أن قصة “الهيكل العظمي بشقة طوسون” في محافظة  الإسكندرية لا تشبه أيّ شيء من هذه القصص، وتصنف ضمن قائمة الأكثر غرابة منها. كان الرائد عمر يوسف -رئيس مباحث قسم شرطة المنتزه ثانٍ- صباح الجمعة الماضي يجلس داخل مكتبه يتابع عمله، طلب “أحمد” مقابلته للإبلاغ عن حادثة مرّت عليها 3 سنوات: “أنا وشقيقتي مريم أخفينا جثة ماما في الدولاب بعد وفاتها.. تعال خرجها”. انتفض رئيس المباحث في جلسته، وأنصت لحديث “أحمد” رغم حداثة سنّه الذي لا يتعدى الـ15 عامًا، قبل أن ينطلق على الفور على رأس مجموعة من القسم إلى محل البلاغ.

بقايا هيكل عظمي في الدولاب: صعد مجموعة رجال المباحث إلى الشقة بالطابق الأول علوي في العقار رقم (30 د) في مساكن الضباط بمنطقة طوسون دائرة القسم حيث كانت المفاجأة، عثر رجال المباحث على هيكل عظمي (متحلل بشكل كامل) مغطى بمرتبة و وسائد داخل دولاب من الصاج (إيديال) في إحدى الغرف.

أمر اللواء مصطفى النمر مدير أمن الإسكندرية بتشكيل فريق بحث برئاسة العميد هشام سليم -رئيس المباحث الجنائية- تحت إشراف اللواء شريف عبدالحميد- مدير المباحث- لسماع أقوال نجل المجني عليها وشقيقته. “ماما هي اللي طلبت مننا نعمل كده قبل وفاتها حتى لا يعلم أحد من أقاربنا لحين تمكننا من الحصول على الأموال التي تركتها لنا”، هذا ما قاله “أحمد” الطالب بالصف الثالث الإعدادي و”مريم” الطالبة بالفرقة الثانية بكلية آداب جامعة الإسكندرية أمام ضباط المباحث. جثة متروكة وشقة مهجورة ل3 سنوات!.

بالقرب من بوابات الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، إحدى المنظمات التابعة لجامعة الدول العربية، حيث تقع مساكن الضباط بمنطقة طوسون، حاول رجل المباحث إيجاد إجابات أسئلة عديدة تركتها أقوال الفتاة وشقيقها، قد تفسر السبب وراء احتفاظهما بجثة والدتهما منذ يوليو عام 2015 وإلى الجمعة الماضي.

في مستشفى أبو قير مارست الطبيبة “بسنت” عملها، ولسنوات طويلة عاشت مع ابنتها وابنها في عمارة “الكوثر” أو “30” المكونة من 5 طوابق والتي يحيط بها حديقة صغيرة، ذلك قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة ويظل جثمانها حبيس خزانة الملابس. في الطّابق الأول علوي شقة الطبيبة لا تزال موصدة النوافذ والأبواب، خالية من الحياة مذ تركها الشقيقان واستأجرا شقة أخرى بمنطقة سيدي بشر بحري، عقب وفاة الأم.

الجيران: لا نعلم شيئاً ولم نشمّ أي رائحة! مرت 3 سنوات على وفاة الأم واختفاء الابنة والابن، قد تصعب مهمة الوصول لجيران يعرفون ما جرى هنا، حيث أكد معظمهم أنهم لا يعلمون شيئًا عن هذه الأسرة، قائلين: “كانوا في حالهم ولا يزورهم أحد.. واختفوا جميعًا فجأة”. “لا لم نشتم أي رائحة غريبة تنبعث من الشقة.. وعلمنا بها عندما حضر رجال المباحث واكتشفوا الجثة”، وقال “أ.ع” أحد جيران المتوفاة، مضيفًا دفاعًا عن الابن والابنة: “أعتقد دا سوء تصرف منهم ولكن لا يمكن أن يكون لهم دور في وفاتها فهي كانت مريضة في الأساس”. “ع.م” جار آخر أشار إلى أنه كان دائم السؤال على أسرة المتوفاة، وقال: “اعتقدت أنهم غادروا إلى شقة أخرى دون إبلاغنا”.

لا يوجد طبيبة في المستشفى بهذا الأسم! انتقلنا من طوسون إلى مستشفى أبو قير العام – مقر عمل المتوفاة – حيث قال مصدر مسؤول بالمستشفى الحكومي: “لا توجد طبيبة تعمل في المستشفى باسم بسنت وحدث هذا منذ سنوات، مؤكدًا أنه لا يعلم شيئًا عن الواقعة التي صارت حديث الشارع السكندري.

قضى كل من “أحمد” و”مريم” ساعات معدودة في مقر قسم شرطة ثان المنتزه قبل أن تتم إحالتهما للمثول للتحقيق أمام أشرف المغربي -المحامي العام لنيابات المنتزه- ليتحدث الأبنان عن واقعة تركت آثارها على حالتهما، وجعلت الابن غير متزن نفسيًا، وفق مصدر أمني. حياة انطوائية، لا زيارات أهل أو أقارب، أو علاقات صداقة هكذا عاش “أحمد” و”مريم” مع والدتهما منذ انفصالها عن والديهما، فهما شقيقان من الأم فقط ولكل منهما أب.

ووفقًا لأوراق القضية التي هزت الإسكندرية، قالت “مريم”: “عانت والدتي (47 عامًا) من أمراض القلب والفشل الكلوي لسنوات طويلة ما كان سبباً في أن تقدم على إجازة من عملها بالمستشفى، وفي السنوات الأخيرة اشتد المرض عليها وخضعت لجلسات غسيل كلوي، وحضر الطبيب إلى المنزل قبل وفاتها بـ 3 أيام وأخبرنا بأن حالتها متدهورة جدًا”. أضافت “مريم” في تحقيقات النيابة: “لا توجد أي علاقة تربطني بوالدي المقيم في القاهرة وكذلك شقيقي أحمد كل علاقته بوالده هو مبلغ يرسله له كل فترة عبر البريد”.

لماذا فعلنا ذلك؟ “شعرت أمي بعد زيارة الطبيب بقرب أجلها وطلبت منا إخفاء خبر وفاتها وجثتها ومغادرة الشقة”، حيث تشير “مريم” إلى أن والدتها كانت تخشى عليهما من أن يتفرقا ويذهب كل منهما لوالده، وتضيف الابنة: “اعتدنا أن نعيش معًا منذ الصغر وأبي كان يعاملني بشكل سيئ وخشيت أمي أن أعود إليه لأعيش مع زوجته.. وكذلك رغبت في الحفاظ على أموالنا التي تركتها لنا”.

ما هو سر في رقم 21: “نفذنا وصية أمي.. وظللت أنا وشقيقتي يومًا كاملاً بعد وفاة أمي بجوار جثتها قبل أن نقوم بلفها ووضعها داخل الدولاب خوفًا من انبعاث رائحتها”، يقول “أحمد” مُشيرًا إلى إغلاقهما المنزل ومغادرته واستئجارهما شقة أخرى بمنطقة سيدي بشر، عقب انتهائهما من وضع الجثمان بالدولاب. وأضاف الابن: “بعد مرور 3 سنوات باتت شقيقتي في سن الرشد الـ 21 عامًا، ولم نعد نخاف من العودة إلى والدينا لذلك اتخذنا قرار إبلاغ الشرطة لدفن والدتي في المقابر”. قرر المستشار أشرف المغربي، المحامي العام لنيابات المنتزه، صرف الطالبين بعد الاستماع إلى أقوالهما، وأمر باستعجال تقرير الطب الشرعي لتحديد سبب الوفاة واستدعاء زوجي المتوفاة السابقيْن لسؤالهما عن الواقعة.

رئيس المحكمة السابق يفجر مفاجأة: وبما يخص العقوبة التي تنتظر الشقيقين، فجر المستشار سعد السعدني رئيس محكمة الإسكندرية الابتدائية السابق مفاجأة قائلاً: “القضية تعتبر جنحة وليست جناية، فهي تقتصر على عدم الإبلاغ عن حالة وفاة وقت وقوعها”. وأضاف رئيس المحكمة السابق في تصريح له، أنه في حالة عدم وجود شبهة جنائية وراء الوفاة من المتوقع أن ينتهي الحكم بالغرامة دون حبس، نظرًا لأن الشقيقين كانا حدثين وقت ارتكاب الواقعة.

اضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة مؤخرا

error: Content is protected !!