لو لم يكن البشر قادرين على تجربة الإحساس الجميل المعروف باسم الحب، لما استطاعوا إنتاج أجمل القطع الموسيقية والفنية والأدبية في العالم. كما كانوا ليفتقدوا أحد الجوانب الأكثر عمقًا للوجود الإنساني. الوقوع في الحب أمر مربك ومخيف ومضحك في نفس الوقت. ورغم أن الآثار الجسدية للوقوع في الحب قد تكون فريدة من نوعها لدى كل شخص، تمكن العلماء من تحديد التفسيرات العصبية والجسدية لبعض الأعراض الأكثر شيوعًا لدى الشخص المتيم بالحب، كتسرع نبضات القلب والتوتر والهوس، وما إلى ذلك.
جزأت عالمة الأنثروبولوجيا البيولوجية ومؤلفة كتاب لماذا نقع في الحب؟، الدكتورة هيلين فيشر، عملية الوقوع في الحب إلى ثلاث مراحل مختلفة: الشهوة والانجذاب والتعلق. تختلف استجابة الجسم خلال كل مرحلة بحسب كيمياء الدماغ وإفراز الهرمونات المختلفة. يعتمد رد فعل الجسم خلال هذه المراحل أيضًا على ما إذا كنت سعيدًا أو غير راضٍ في العلاقة الرومانسية، ويتأثر استعدادك لمواصلة أو إنهاء العلاقة أيضًا بهذه العوامل العصبية.
ستبقى العديد من جوانب الحب غامضةً بالنسبة لنا، ولكن هناك آثار عالمية يسببها الوقوع في الحب لدى كثير من الناس. وهنا سنعرض ثمانية أشياء تحدث لجسدك عندما تقع في الحب:

1. الحب يسبب إدمان جسدي: ينشط الوقوع في الحب مناطق الدماغ نفسها التي ينشطها الكوكايين لدى المدمنين. في دراسة صدرت عن جامعة سيراكيوز عام 2010 ونشرت في دورية Sexual Medicine، لاحظت ستيفاني أورتيغو وفريقها من الباحثين أدمغة أشخاص أثناء تحديقهم بصور لشركاءهم. ووجد الباحثون أن المنطقة تحت القشرة المفرزة للدوبامين في أدمغة المشاركين تتفعل (وهي المنطقة العصبية نفسها التي تتفعل لدى مدمني الكوكايين). عندما تبدأ هذه المنطقة ومناطق أخرى من الدماغ بالعمل، فهي تفرز المواد الكيميائية (الهرمونات) التي تحفز النشوة – بما في ذلك الدوبامين والأوكسيتوسين والأدرينالين وفاسوبريسين. يعرف الأوكسيتوسين أيضًا باسم هرمون الحب لأنه يسبب هذا الشعور الدافئ والغامض، وقد يسبب الفاسوبريسين السلوك العدواني والتملكي. لهذا يسبب الوقوع في الحب شعورًا رائعًا، ولهذا السبب قد تفقد صوابك إذا حاول أحدهم مغازلة حبيبك.

2. تعرق راحتي اليدين وتسرع ضربات القلب: يزداد تدفق الدم إلى مركز المتعة في الدماغ عند الانجذاب لشخص جديد، ويتم إفراز هرموني الأدرينالين والنورأدرينالين في الجسم. يسهم هذان الهرمونان في تعرق راحتي اليدين و تسرع ضربات القلب الذي تشعر بهما في تلك اللحظات السحرية الأولى. يؤدي الأدرينالين والنورأدرينالين دأيضًا إلى مشاعر الابتهاج والشغف والاهتمام الشديد. وهذا ما يفسر عدم قدرتك على التفكير بأي شيء أو أحد بجانب ذلك الشخص الذي التقيت به مؤخرًا في إحدى الحفلات.

3. شعور بالخوف والقلق (فراشات في المعدة): يعد الإحساس الذي نسميه فراشات في المعدة حقيقي. يسبب الوقوع في الحب إفراز الأوكسيتوسين الذي يحفز مشاعر السعادة، ولكنه أيضًا يسبب إفراز الكورتيزول الذي يسمى هرمون التوتر. العلاقة الرومانسية عاطفية ومربكة ومرهقة. عندما يتم إفراز هرمون التوتر، تتقلص الأوعية الدموية حول الأمعاء، ما يؤدي لاحقًا إلى الغثيان. يا لروعة الحب!

4. يساعد الحب أيضًا في تخفيف التوتر: عندما تبدأ أنت وحبيبك بتبادل القبل، سيقل شعورك بالتوتر. أثناء التقبيل، يفرز الجسم الإندورفين والدوبامين اللذان يعززان المشاعر الجيدة.

5. تصبح مهووسًا بحبيبك: اكتشفت أستاذة الطب النفسي ومديرة مختبر علم الأمراض النفسية في جامعة بيزا، دوناتيلا مارازيتي، أن إفراز السيروتونين في الدماغ يكون قليلًا في بداية العلاقة الرومانسية. يوجد أيضًا انخفاض في مستويات السيروتونين في أدمغة المصابين باضطراب الوسواس القهري OCD. وكما هو موضح في دورية Mental Floss، نظرًا لأن كلا الحالتين (إلى مستويات مختلفة) تؤديان أيضًا إلى مشاعر القلق والفضول، يمكن اعتبار الحب في فتراته المبكرة كنوع متوسط ومؤقت من الوسواس. ومع ذلك، علاقتك وحدها لن تسبب لك القلق والوسوسة إلى الأبد، إذ تعود مستويات السيروتونين وهرمون التوتر المذكور أعلاه إلى طبيعتها بعد سنة واحدة إلى سنة ونصف من بداية العلاقة.

6. يجعلك الحب تفقد عقلك: لقد تحدثنا عن مناطق الدماغ التي تصبح مفرطة النشاط عند العثور على شخص مميز، ولكن أي أجزاء من الدماغ يتثبط نشاطها؟ استخدم كل من سيمير زكي من كلية لندن الجامعية، والدكتورة هيلين فيشر من جامعة روتجرز من قسم الأنثروبولوجيا، التصوير بالرنين المغناطيسي لمراقبة أدمغة الأشخاص المغرمين، وما اكتشفوه يفسر لما يجعلنا الحب نتصرف بحماقة بالغة. أظهر كا من الجسم اللوزي والقشرة الجبهية وأمام الجبهية انخفاضًا ملحوظًا في النشاط، وهذه المناطق العصبية هي المسؤولة عن الخوف والتعلم من الأخطاء والتحليل والقدرة على الحكم ومقاومة الإغراءات والتنبؤ بنتائج الأحداث. إذا كانت مناطق أدمغتنا المسؤولة عن التفكير النقدي هذه لا تعمل بكامل طاقتها، فهل من العجب أن يرتكب معظمنا الأخطاء نفسها مرارًا وتكرارًا في العلاقات؟ أو أن نقع غالبًا في حب أشخاص سيئين، يصعب أن تنظر إلى الوراء على محاكماتك السابقة فقط لتسأل نفسك، مالذي كنت أفكر به بحق الجحيم ؟! لكن عليك أن تعرف أن سلوكك غير المنتظم هذا لم يكن خطؤك. فقد خانك جسدك. وللأسف، كما يقولون، الحب أعمى!

7. يصل التأثير إلى عينيك: عندما تحدق في الشخص الذي تحبه، تتوسع حدقتا عينيك.إذ تؤدي كل من الإثارة والتوتر إلى تحفيز الفرع الودي للجهاز العصبي اللاإرادي، ما يسبب توسع الحدقتين.

8. يساعد الحب في تخفيف نوبات الصداع: بما أن زيادة مستويات الأوكسيتوسين في الجسم تحد من التوتر والإجهاد، قد يقلل الحب من تكرار نوبات الصداع النصفي! في عام 2010، بحثت كلية الطب بجامعة ستانفورد في مدى فعالية العلاج بالأوكسيتوسين، من خلال دراسة حالات الصداع اليومي المزمن (غالبًا ما تشمل الصداع النصفي) لدى بعض الأشخاص. أعطى الباحثون المشاركين في الدراسة، والذين لم يجنوا فائدة من أي علاج آخر، بخاخ أنفي يحتوي جرعة من الأوكسيتوسين. وكانت النتائج مذهلة: 50% أفادوا أن آلام الصداع انخفضت إلى النصف بعد أربع ساعات، في حين أفاد 27% أنهم لم يشعروا بأي ألم بعد مرور أربع ساعات. في النهاية، كل ذلك التوتر والخوف والقلق الذي يسببه الحب، يستحق العناء!

ديانا نعوس

ديانا نعوس

طالبة في كلية الصيدلة، هدفي واحد هو العلم، وأؤمن بأنه الطريق الوحيد نحو الرقي، الطريق الوحيد نحو التغيير، الطريق الوحيد نحو الأفضل.

الاطلاع على جميع المقالات

اضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة مؤخرا

error: Content is protected !!