يوجد الكثير من الترهات في عالم التغذية، والدعاية المستمرة ضد تناول اللحم واحدةٌ من أسوء الأمثلة على ذلك. ولذلك إليك ثماني خرافات سخيفة حول تناول اللحوم والصحة:

1) يتعفن اللحم في قولونك: يدعي بعض الأشخاص بأن اللحم لا يهضم تمامًا ويتعفن في قولونك عوضًا عن ذلك، وهذا أمرٌ سخيفٌ تمامًا لفقه نباتيون مخادعون على الأرجح، لتخويف الناس من أكل اللحم، وما يحدث بالضبط عند تناول اللحم هو تحليل أحماض المعدة والإنزيمات الهاضمة له، كما تتحلل البروتينات إلى أحماض أمينية، والدهون لأحماض دهنيةٍ في الأمعاء الدقيقة. وتُمتص بعدها على طول جدار المعدة وإلى مجرى الدم بعد ذلك، ولا يبقى أي شيءٍ ليتعفن في القولون، وإن كنت ترغب بمعرفة ما الذي يتعفن في القولون فهي الألياف الموجودة في الخضار، والفواكه، والحبوب، والبقوليات، إذ لا يملك جهاز الهضم البشري الإنزيم الضروري لتحليل الألياف، لذلك تنتقل للقولون وتخمرها بكتيريا مسالمة في الأمعاء، وتتحول بدورها لعناصر غذائية، ومركبات مفيدة كالأحماض الدهنية قصيرة السلسلة.

2) تحتوي اللحوم على كميات عالية من الدهون المشبعة الضارة والكوليسترول: واحدة من أكبر الحجج ضد اللحم، هي احتواءه على كمياتٍ عاليةٍ من الدهون المشبعة والكوليسترول، ولكن ذلك ليس سببًا للقلق في الواقع، إذ أظهر العلم الحديث أن كليهما غير ضار، وعلى الرغم من خوف الناس منهما، إلا أن الكوليسترول مركب حيوي في الجسم يوجد في غشاء كل خلية، ويستخدم لتصنيع الهرمونات، كما أن الكبد يصنع كمياتٍ كبيرة منه للحرص على امتلاك اجسادنا كميات كافية منه. ويصنع الكبد كميات أقل منه عند حصولنا على الكثير من الكوليسترول من نظامنا الغذائي، فلا تتغير كمية الكوليسترول الكلية في الجسم كثيرًا، وللكوليسترول الموجود في الأغذية تأثيرٌ ضئيلٌ على كوليسترول الدم في نحو 70% من الأشخاص.

3) يسبب اللحم أمراض قلبٍ ومرض السكري النوع الثاني: يلام اللحم بشكلٍ غريب لتسببه بأمراض القلب ومرض السكري من النوع الثاني، إلا أن أمراض القلب لم تكن مشكلةً شائعةً حتى أوائل القرن العشرين، كما ظهر مرض السكري النوع الثاني قبل بضع عقودٍ فقط، فتلك الأمراض حديثة ولكن اللحم طعامٌ قديم، إذ تناول الإنسان اللحوم لملايين السنين، فلا يمكننا لوم طعامٍ قديم على مشاكل صحيةٍ حديثة فذلك يبدو غير منطقي. ومن حسن الحظ يوجد دراستان كبيرتان ودقيقتان جدَا تدعم ذلك، ففي دراسة ضخمة نشرت عام 2010، جمع العلماء بياناتٍ من 20 دراسة تضمنت ما مجموعه 1,218,380 فرد، ولم يجدوا أي رابطٍ بين استهلاك اللحوم الحمراء غير المصنعة وأمراض القلب والسكري. ولم تجد دراسةٌ أوروبيةٌ أخرى تضمنت 448,568 فرد، أي رابط أو علاقة بين اللحوم الحمراء غير المصنعة وتلك الأمراض، ومع ذلك وجدت كلتا الدراستان خطرٌ قوي ومتزايد على الأشخاص الذين يستهلكون اللحوم المصنعة، ولذلك السبب من المهم جدًا التفريق بين أنواع اللحوم المختلفة، فمن الواضح أن العديد من الدراسات التي تظهر مساوئ اللحوم الحمراء، لم تفرق بين المصنعة وغير المصنعة.

4) تسبب اللحوم الحمراء سرطانًا: ارتباط اللحوم المصنعة مع خطر الإصابة بالسرطان خصوصًا سرطان القولون أمرٌ صحيح، ولكن الأمور غير واضحةٍ بالنسبة للحوم غير المصنعة، ومع أن العديد من الدراسات تشير إلى أنه حتى اللحوم غير المصنعة يمكنها أن تزيد خطر الإصابة بالسرطان، ولكن تظهر دراساتٌ جمعت بيانات من العديد من الدراسات وجهًا آخر للعملة، إذ وجدت دراستان إحداهما جمعت بياناتٍ من 35 دراسة، والأخرى جمعت بيانات من 25 دراسة أن تأثير اللحوم الحمراء غير المصنعة ضعيفٌ جدًا على الرجال، ولا يوجد له تأثيرٌ على النساء مطلقًا. ومع ذلك، يظهر أن طريقة طبخ اللحوم لها تأثيرٌ كبير على الصحة، إذ أظهرت دراسات عدة تكوين اللحوم المطهوة بشكلٍ زائد لمركبات كالأمينات غير المتجانسة والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات، والتي تبين أنها سبب السرطانات في حيوانات اختبار، ولكن يوجد عدة طرقٍ للحؤول دون تكون تلك المركبات، كاختيار طريق طبخٍ معتدلة أكثر، والتخلص من القطع المتفحمة والمحروقة، فالحل هو ليس تجنب اللحوم الحمراء، بل الحرص على عدم حرقها، وتذكر دائمًا يمكن للتسخين الزائد أن يكون مركبات مضرة في العديد من الأطعمة، فالأمر غير مقتصر على اللحوم فحسب.

5) البشر من آكلات عشب في الأصل وليسو مصممين لاستهلاك اللحوم: يدعي بعض النباتيون أن الإنسان غير «مصمم» لتناول اللحوم، وأن البشر هم آكلات عشبٍ في الأصل، ولكن ذلك خاطئٌ تمامًا، فلطالما كان الإنسان يتناول اللحوم منذ ملايين السنين، كما أن جهازنا الهضمي لا يشابه جهاز آكلات العشب الهضمي مطلقًا.

6) اللحوم ضارة بعظامك: يبدو أن العديد من الأشخاص يؤمنون بإحداث البروتين ضررًا على عظامهم، مما يؤدي إلى هشاشة عظام، فالأمر كالتالي نأكل البروتين، مما يزيد من الحمل الحمضي على الجسم نتيجةً لذلك، فينقل الجسم الكالسيوم من العظام لمجرى الدم لمعادلة الحمض.
ويوجد في الواقع بعض الدراسات قصيرة المدى التي تدعم تلك الفكرة، فزيادة البروتين تؤدي بالفعل لتزايد خسارة الكالسيوم من الجسم، ومع ذلك فالتأثير قصير المدى ذلك لا يستمر، إذ تظهر الدراسات طويلة المدى أن للبروتين آثار مفيدة على صحة العظام، ويوجد دليلٌ قاطعٌ بصلة النظام الغذائي عالي البروتين بتحسين كثافة العظام، وتقليل خطر الإصابة بهشاشة العظام والكسور في الشيخوخة.

7) اللحوم غير ضرورية: كثيرًا ما يقال بأن اللحوم غير ضرورية للصحة، وذلك صحيحً بعض الشيء في الواقع، إذ يمكننا إيجاد معظم العناصر الغذائية الموجود في اللحوم في أطعمة أخرى، ولكن بمجرد استطاعتنا البقاء على قيد الحياة من دونها، فذلك لا يعني عدم استهلاكنا لها بتاتًا، إذ تحتوي اللحوم على العديد من العناصر الغذائية المفيدة التي يفتقر لها النباتيون، بما فيها البروتينات عالية الجودة، وفيتامين B12، والكرياتين، والكارنوسين، وفيتامينات ذائبة في الماء مختلفة. هل يمكننا العيش بدون تناول اللحوم فعلًا؟ بالطبع، ولكننا لن نستفيد من جميع العناصر الغذائية المفيدة التي تزودنا الطبيعة بها لنصل للصحة المثالية، ومع أننا نستطيع البقاء على قيد الحياة من دون تناول اللحوم، ولكن ذلك صحيحٌ أيضًا بالنسبة لجميع المجموعات الغذائية، بما فيها الخضراوات، والفواكهة، والبقوليات، والسمك، والبيض، وغيرها، فيمكننا أكل المزيد من شيءٍ آخر عوضًا عن ذلك.

8) تجعلك اللحوم بدينًا: غالبًا ما يعتقد أن استهلاك اللحوم يجعل الشخص بدينًا، ويبدو ذلك منطقيًا إن نظرت للأمور بمنظورٍ سطحي، لأن معظم اللحوم غنية بالدهون والسعرات الحرارية، ومع ذلك تعد اللحوم واحدةٌ من أفضل مصادر البروتين المتوافرة بيولوجيًا، كما أن البروتين هو أكثر مغذٍ صديقٍ لخسارة الوزن لحد الأن، إذ تظهر الدراسات أن النظام الغذائي عالي البروتين يسرع من عمليات الأيض بما مقداره من 80 إلى 100 سعرة حرارية كل يوم، فكلما تناولت البروتينات عالية الجودة أكثر (وخففت من تناول الأطعمة الأخرى)، كان فقدان الوزن أسهل بالنسبة لك.


المصدر

قصي أبوشامة

قصي أبوشامة

قصي أبوشامة
مهندس مدني من الأردن، أسعى إلى زيادة الوعي في التقدم المعرفي والمنهج العلمي وتعزيز بنية الفرد العربي ثقافياً وإنسانياً

الاطلاع على جميع المقالات

اضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة مؤخرا

error: Content is protected !!