هل سبق ولاحظت في أفلام الكرتون كيف أن أقراص الجبنة المدورة تحتوي على ثقوب؟ هذه الثقوب لا تكاد تُذكر في الحياة الواقعية ولكن منظرها يعتبر جذاباً، في عالم الجبنة هذه الثقوب تسمى “عيون” وقرص أو مكعب الجبنة بالتأكيد سوف يحتوي على العديد من هذه العيون.

كبداية، ما الذي أوجد هذه العيون؟  هل قامت الفئران التي مرت داخل الجبنة بصنعها؟  حسناً هذا ما قد يخطر في بالنا كنوع من التخيل ولكن في الحقيقة لا لا دخل للفئران أبداً في تكوين هذه الثقوب. صُنع الجبنة يتم تحت ظروف صحية مراعاة بشدة لذلك من النادر جداً أن تسمع بوجود فئران قريبة من منطقة تصنيع الجبنة. لنقل أن السبب الحقيقي لوجود هذه الثقوب هو سبب بعيد عن زغب الفئران وأقرب إلى حقيقة العلم.

لما تكون أقارص الجبن مدورة ؟ دعونا أولاً نعلم لماذا تُصنع الجبنة على هذا الشكل، الشكل البرميلي المدور المقطوع يدعى بال تروكل “truckle” من الجبنة وهذه الكلمة مأخوذة من الكلمة اللاتينية تروكليا والتي تعني العجلة وتتراوح أحجامها من تلك الصغيرة المغلفة بالشمع التي نجدها في السوبرماركت إلى العملاقة المصنوعة يدوياً والتي تزن أكثر من 20 كيلوغرام.

الأشكال المستديرة هي أيضاً أكثر ثباتاً من القوالب المستطيلة، حيث أن هذه الأخيرة عرضة للتشقق أكثر من جهة الحواف أما الشكل الآخر الشكلي العجلي فهو يؤمن كتلة صلبة للجبن وهذه الكتلة لا تُكسر أثناء النقل أو التخزين. يساعد الشكل المستدير أيضاً في تكوين الجبن حيث أن أغلب الباكتيريا الموجودة في الجبن تساعد على نضج الحواف وهذا يشكّل أيضاً ما يسمى بالخاتم وهذا الخاتم يضيف طعمة على دولاب الجبنة وأيضاً تحميها من البعوض والحشرات وهذا كان مفيداً جداً في فترة ما قبل وجود الثلاجات. قطع الجبن الاسطوانية تحتوي على خواتم اكثر ثباتاً وكلما كانت حواف قطع الجبنة أقل كلما تجمعت هذه الباكتيريا حولها وتجمعها الزائد يؤدي إلى طعمة ملحية سيئة جداً ولهذا السبب تُقطّع الجبنة بها الشكل الاسطواني وكل هذه الخبرة في القطع أتت من العلم والعلم فقط.

حسناً ولكن ماذا عن الثقوب؟ تُصنع الجبنة بإضافة سلالات مختلفة من الباكتيريا إلى الحليب وتركه ليتخمر مع مرور الوقت، تتم إزالة السائل الزائد أيضاً ويتبقى عصيدة طرية وصلبة بعدها يضاف لها الملح وتخزّن وبعد فترة من الزمن نحصل على الجبن. في الجبن السويسري، تتشكل العيون بسبب طرح سلالات خاصة من الباكتيريا لغاز ثنائي أوكسيد الكربون من هذه الباكتيريا  Streptococcus, Lactobacillus و P. freudenreichii shermani. تستهلك الباكتيريا هذه حمض اللبن الموجود في الحليب وتطلق فقاعات صغيرة من ثنائي اوكسي الكربون والتي تشكل تدريجياً تلك الثقوب التي تراها في الجبنة، وهذه العملية تخلق أيضاً تلك النكهة الحلوة والمميزة التي نحب للجبن كما بإمكاننا السيطرة على حجم الثقوب بتقليل أو زيادة حموضة الجبن كلما زادت الحموضة كلما كبرت الثقوب.

أليست البكتيريا مضرة ؟ حسناً، ليست كل الأنواع، فنوع P. shermani هو في الحقيقة مثال عن أحد أنواع الباكتيريا المفيدة لنا حيث تقوم بتنظيف الطريق الهضمي، كما أنها أيضاً تقوم بتخفيض خطر سرطان الكولون. قد تسمع هذه الجملة لأول مرة من موقعنا ! ولكن تناول بعض أنواع الباكتيريا قد يحسن من صحتك يا صاحبي.

إذا كخلاصة فإن هذه الباكتيريا التي تسبب تخمر اللبن وتحوله إلى جبن تقوم أيضاً بصناعة هذه الثقوب، وهذه الباكتيريا هي التي جعلت من الجبنة السويسرية علامةً وأمراً مميزاً في حياتنا. تقديرياً فإن الجبن كان قد اُكتشف لأول مرة في عام 5000 قبل الميلاد عندما قام بعض البشر القدماء بتخزين الحليب في أكياس مصنوعة من معدة الحيوانات وبالتالي تخميره مع الباكتيريا، ونفس هذه العملية التي كانت تتم منذ آلاف السنين لا تزال تُستخدم حتى اليوم وهذا إن كان يمثل شيئاً فهو يمثل حبنا الأبدي للجبنة وللباكتيريا الصالحة للأكل.

طاقم مجلة وسع صدرك

طاقم مجلة وسع صدرك

مجلة وسع صدرك الالكترونية جرعة يومية من الدهشة والفضول

الاطلاع على جميع المقالات

اضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة مؤخرا

error: Content is protected !!