في أواخر القرن التاسع عشر، جاء رجل يسمى فيلفريدو باريتو بنظرية في المزرعة التي كان يمتلكها والتي كان يزرع فيها نبات البازلاء، عندما لاحظ أن نسبة قليلة من قرون البازلاء تنتج معظم البذور. الآن هذا المبدأ الذي خرج به باريتو والذي يسمى مبدأ 20/80% هو أحد أعمدة نظريات علم الاقتصاد الحديث، فعلى عكس معظم الاقتصاديين في عصره، جاءت أوراق باريتو العلمية رصينة ومليئة بالمعادلات الرياضية والبراهين.

مبدأ باريتو: دفعت هذه الملاحظة باريتو أن يدرس معظم الأنظمة الاقتصادية وبدأ ببلده إيطاليا، فوجد أن ما يقرب من 80% من مساحة أراضي إيطاليا يمتلكها فقط نحو 20% من السكان، وهو نمط مشابه لنمط البازلاء الذي لاحظه في الحديقة. كما أن الأمر لم يكن يخص إيطاليا فقط، حيث بنظره إلى النظام الاقتصادي في بريطانيا وجد أن 30% فقط من سكانها يستحوذون على نحو 70% من دخل البلاد. مما دفع ذلك باريتو لاستنتاج تعميم مبدئه على معظم الأنظمة تقريبًا.

كما أن هذا التوزيع غير العادل لم يكن محصورًا على الأموال فقط، فإذا تحدثنا عن البطولات الكروية على سبيل المثال، سنجد أن الدول التي نافست في كأس العالم نحو 77 دولة، بينما فازت ثلاث دول هي البرازيل وألمانيا وإيطاليا بكأس العالم 13 مرة من أصل أول 20 بطولة لكأس العالم. فما هو السبب في ذلك؟

قوة الفائدة المتراكمة: لكي نشرح السبب، دعنا نتناول هذا المثال عن الأشجار في غابات الأمازون، وهي إحدى أكثر الأنظمة البيئية تنوعًا على وجه الأرض. رصد العلماء نحو 16 ألف نوع مختلف من الأشجار في غابات الأمازون، في حين وجد العلماء نحو 227 نوع فقط يشكلون نصف أشجار الغابة.

وذلك يحدث كالتالي: عندما تكون هناك شجرتين من نوعين مختلفين في نظام بيئي واحد، فإن إحداهما تسعى للسيطرة على معظم الموارد لكي تحافظ على نوعها، فتسعى تلك الشجرة للحصول على أكبر قدر من الأمطار وأشعة الشمس من الغابة، ويؤثر ذلك بالضرورة على الأنواع الأخرى. لذلك كلما نمت الشجرة أكبر كلما حصلت على أشعة شمس أكثر، حتى لو كان هذا النمو ضئيلًا، يكفي أن تكون نسبته أكبر من نسبة نمو الشجرة الأخرى. ومع مرور الوقت، تكتسب تلك الشجرة فائدة الحصول المستمر من الغذاء والذي يمكنها من التكاثر والاستمرار مما يجعلها في النهاية تهيمن على معظم مساحة الغابة.

يسمى العلماء هذه الظاهرة بـ«قوة الفائدة المتراكمة» والتي تبدأ بفائدة صغيرة تكبر على مدار الوقت.

وهذا التنافس على نفس الموارد موجود في حياتنا اليومية ليس لدى الشجر فقط، فالسياسيون يتنافسون على نفس الأصوات، والرياضيون يتنافسون على نفس البطولات، والشركات تتنافس على نفس العملاء، ولكي تربح هذه الشركة أو ذلك السياسي يكفي أن يكون أفضل من غيره بنسبة قليلة للغاية، حتى تتجمع الفوائد والمكاسب لديه ويبدأ في النمو والفوز المتراكم والمستمر.

قاعدة الـ1%: وتنص هذه القاعدة على على أن غالبية الجوائز والمزايا تذهب للفرق والشركات والمنظمات التي تحافظ على نسبة 1% أفضلية عن بدائلها. فلا تحتاج أن تكون أفضل من غيرك بمقدار الضعف لكي تحصل على ضعف النتيجة، يكفيك أن تكون أفضل بمقدار صغير.
وهذا سبب آخر عن أهمية العادات، فبما أن الفروق الضئيلة تقود إلى توزيعات غير متساوية، فإن الأشخاص الذين يحافظون على أفعال جيدة بثبات على مدار الوقت، يميلون إلى الحصول على مزايا أكبر بمرور الوقت. وبهذه النسبة الضئيلة التي تتفوق بها على منافسك، تتمكن من الحصول على 100% من الفوز أو البطولة أو الوظيفة أو أي شيء يدخل ضمن إطار المجال التنافسي.

اضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة مؤخرا

error: Content is protected !!