تفتت الامبراطورية في أواخر القرن الرابع بعد أن كانت أعظم قوة في العالم لمدة 500 عام، و يرجع المؤرخون انهيارها إلى مئات العوامل من الفشل العسكري إلى الكوارث الطبيعية و تغيرات الطقس حتى، بينما يقول جزء آخر أن الامبراطورية لم تسقط حقًا في هذا الوقت بما أن جزأها الشرقي المتمثل بالإمبراطورية البيزنطية استمر بالحكم لمدة ألف عام آخر، و ما زال سبب سقوط الامبراطورية محط نقاش و جدل إلا أن بعض النظريات الأكثر شعبية تشكلت حول هذا الموضوع، و إليكم أهمها:

1: الغزو من قبل القبائل البربرية: النظرية الأكثر مباشرًة هي الضعف و سلسلة من الخسارات في الصفوف العسكرية في مواجهة الضغوط الخارجية، فقد اشتبكت روما مع القبائل الجرمانية لقرون، ولكن حوالي العام 300 خرقت القبائل البربرية حدود الامبراطورية، إلا أن روما نجت من صعود محتمل للجرمانيين في أواخر القرن الرابع، ولكن في عام 410 بدأت الحملات من قبل ملك القوط الغربي ألاريك، و بقيت روما لعشرات السنين تنوء تحت وطأة تهديد هذه الحملات قبل أن تتم مداهمتها في عام 455 وهذه المرة من قبل المخربين، و أخيرًا، قام القائد الجرماني أودواسر بتدبير تمرد أدى لخلع الامبراطور رومولوس أوغوستولوس، و من بعد هذا الحدث لم يستطع أي امبراطور روماني أن يحكم إيطاليا مجددًا، و يقول العديد أن العام 476 هو العام الذي شهد بداية انهيار الإمبراطورية.

2: المشاكل الاقتصادية و الاعتماد المفرط على العبيد: بالإضافة إلى تعرض روما للغزوات الخارجية كانت أيضًا تعاني من الداخل بسبب مشاكل مالية ضخمة، فالحروب المستمرة و الإنفاق الزائد أدى إلى إضعاف الخزنة الامبراطورية، كما أن الضرائب المرتفعة و التضخم أديا إلى توسيع الفجوة بين الأغنياء و الفقراء، وللتهرب من الضرائب قام العديد من الرجال الأغنياء بالهروب إلى الريف و إنشاء اقطاعيات مستقلة، و بالإضافة إلى ذلك بدأت الامبراطورية تعاني من مشاكل في اليد العاملة، فروما اعتمدت بشكل رئيسي على العبيد لحرث أراضيها و إتمام الأعمال اليدوية، كما أن اجيش اعتاد على أن يتزود بالعبيد من الشعوب التي يغزوها للعمل، لكن عندما توقف توسع الأراضي و الغزوات بدأ مصادر إمداد العبيد و الغنائم تجف، و بالإضافة إلى ذلك، فعدما احتل المتمردون شمال افريقيا، أضر ذلك بتجارة الامبراطورية بسبب ممارستهم القرصنة على شعوب المتوسط، فمع خسائرها الاقتصادية ومشاكلها المالية و تناقص إنتاجها الزراعي، بدأت روما بخسارة قبضتها و موقعها في أوروبا.

3: صعود الامبراطورية الشرقية: كان مصير الامبراطورية قد بدأ بالانحسام في أواخر القرن الثالث عندما قام الامبراطور دقلديانوس بتقسيمها إلى جزأين: الامبراطورية الغربية المتمركزة في ميلان، و الامبراطورية الشرقية في بيزنطة، المعروف لاحقا باسم القسطنطينية، مما جعلها أسهل حكمًا، ولكن مع الوقت ابتعدت الامبراطوريتين عن بعضهما و فشلتا بالعمل معًا لمواجهة التهديدات الخارجية، كما أنهما اختلفتا على المصادر و المساعدات العسكرية، و مع الوقت بدأ القسم المتكلم باليونانية بالنمو و الازدهار بينما كان القسم اللاتيني يغوص في مشاكله الاقتصادية، كما أن الشرق استخدم قوته لتوجيه الغزوات البربرية بعديًا عنه و باتجاه الغرب، فالاباطرة مثل قسطنطين عملوا على التأكد من قوة ممانعة القسطنطينية و قوة حراستها و حصونها، بينما روما التي كانت ذو قيمة معنوية و رمزية بقيت ضعيفة، كما أن البنية السياسية الغربية بدأت بالتفكك أما البنية السياسية الشرقية بقيت صامدة لألف عام أخرى قبل السقوط على يد الامبراطورية العثمانية في 1400.

4: الأفراط في التوسع و الإنفاق العسكري: توسعت الامبراطورية في فترات ازدهارها من المحيط الأطلسي إلى نهر الفرات، ولكن عظمتها هذه كانت من إحدى الأسباب التي ساعدت على سقوطها، فباتساع الأراضي الواجب حكمها، واجهت كابوسًا لوجستيًا و إداريًا، فحتى مع نظام الطرقات الممتاز لم تستطع القيام بالتواصل السريع الفعال لإدارة ممتلكاتها، كما أنها أنفقت الكثير لحشد القوات لحماية حدودها من الغزاة الخارجيين و المتمردين في الداخل، و بحلول القرن الثاني أجبر الامبراطور هادريان على بناء حائطه الشهير في بريطانيا لإبقاء الأعداء في الخارج، و بتزايد الإنفاق العسكري ضعفت البنية التحتية و أصبحت رديئة.

5: الفساد الحكومي و عدم الاستقرار السياسي: بالإضافة إلى كبر حجم الامبراطورية الذي جعل حكمها صعبًا، فالقيادة الغير فعالة و الغير مستقرة ساعدت على تضخيم هذه المشكلة، فمنصب الامبراطور لم يكن شاقًا و خطرًا فحسب، بل كان بمثابة حكم إعدام، والحرب الأهلية أقحمت الامبراطور بالفوضى، و أكثر من عشرين رجلًا استولوا على العرش فيما لا يزيد عن 75 عامًا كل واحد منهم بعد مقتل الذي يسبقه، كما أن الحرس الامبراطوري ساعد باغتيال الأباطرة و تنصيب الملوك، حتى أنهم مرة باعوا العرش في المزاد للمزاود الأعلى، كما أن هذا الفساد طال مجلس الشيوخ الذي فشل في السيطرة على تجاوزات الأباطرة الفاسدين و الغير كفؤين، مما أفقد المواطنين ثقتهم في حكامهم.

6: وصول قبائل الهون و هجرة القبائل البربرية: بدأت الغزوات البربرية بسبب الهجرات البربرية التي سببتها غزوات قبائل الهون في أوروبا في أواخر القرن الرابع، و حين هاجرت هذه القبائل الآسيوية-أوروبية أخذت معها العديد من القبائل الجرمانية إلى الحدود الرومانية، فسمحت الامبراطورية الرومانية لبعض أعضاء قبائل القوط الغربي على مضض بالمرور بجنوب الدانوب إلى الأراضي الرومانية ولكن عاملوهم بقسوة شديدة، فيقول المؤرخ أميانوس مارسيلينوس، أن الرومان قايضوا القبائل على أولادهم بمقابل الحصول على الطعام و الأدوية، و بتصرفاتهم هذه خلقوا لهم عدوًا داخليًا، وعندما أصبحت المعارضة الداخلية في أوجها، بدأ القوطيون تمردًا و غيروا مسار فيلق روماني و قتلوا الامبراطور الشرقي فالنس خلال معركة الأدرينابول في عام 378، بعد ذلك قام الرومانيون بعقد صفقة سلام معهم، إلا أن الهدنة انتهت عام 410 عندما تحرك الملك القوطي ألاريك نحو الغرب باتجاه روما، وبسبب شعف الامبراطور تمكنت بعض القبائل الجرمانية من احتلال بريطانيا و اسبانيا و شمال افريقيا.

7: المسيحية وفقدان القيم التقليدية: تزامن سقوط روما التدريجي مع انتشار المسيحية، حتى أن البعض يقولون أن انتشار دين جديد ساهم في إسقاط الامبراطورية، فقد قام مرسوم ميلان بتشريع المسيحية في عام 313، كما أنها أصبحت ديانة الدولة في عام 380، مما أنهى قرون من الاضطهاد، كما أزاحت المسيحية الديانة الرومانية القديمة التي كانت تعطي منزلة إلهية للإمبراطور، كما أنها بدلت اهتمام الشعب من التركيز على عظمة الامبراطورية إلى التركيز على إله واحد، كما أصبح للبابا دور سياسي و دور في الحكم، و بقيت هذه النقطة محط نقاش بين العلماء، فبعضهم يقول أن انتشار المسيحية لعب دورًا صغيرًا في إضعاف الفضيلة المدنية الرومانية إلا أن الدور الأكبر بقي للعوامل العسكرية و الاقتصادية و الإدارية.

8: ضعف الجحافل الرومانية: كان الجيش الروماني فيما مضى مثيرًا للحسد إلا أن هذا تغير فيما بعد، فبعد أن عجز بعض الأباطرة مثل قسطنطين و دقلديانوس عن تجنيد المزيد من المدنيين، قاموا بتجنيد المرتزقة لزيادة عدد جيوشهم، و من ضمن هؤلاء المرتزقة كان البربريون و الجرمانيين و كان عددهم كبيرًا إلى درجة أن الرومانيين بدأوا باستخدام كلمة بربري لتحل مكان كلمة جندي، و بالرغم من أن هؤلاء المحاربين أثبتوا أنهم محاربون شرسون، إلا أنهم لم يكنوا الولاء للإمبراطور، و بعض قادتهم انقلبوا ضده، حتى أن معظم البربريين الذين هاجموا روما عند إسقاط الامبراطور كانوا فيما مضى يحاربون في صفوف الجيش الروماني.


مصدر

طاقم مجلة وسع صدرك

طاقم مجلة وسع صدرك

مجلة وسع صدرك الالكترونية جرعة يومية من الدهشة والفضول

الاطلاع على جميع المقالات

اضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة مؤخرا

error: Content is protected !!