تعد شبكة الانترنت شبكةً متينة، فلا تعتمد على آلةٍ واحدةٍ أو سلكٍ معين، إذ يتألف الانترنت من شبكات حواسيب أخرى ممتدةٍ حول العالم، تحت المحيطات ومن خلال الفضاء عبر الأقمار الصناعية، وبنمو عالم الانترنت ازداد اعتمادنا عليه بشكلٍ كبير، كما أنه مصدر تواصلٍ موثوق، فحتى لو انقطع اتصال قسم كامل من الانترنت بسبب كارثةٍ طبيعيةٍ أو هجمةٍ نووية، ستبقى أجزاء أخرى من الانترنت تعمل بشكلٍ كامل، وعلى الرغم من احتمالية فقد البيانات المخزنة على آلاتٍ تأثرت بالكارثة، فإن الانترنت بحد ذاته سيبقى.

كما أنه من المستحيل تخيل مجموعةٍ من الظروف تسبب انهيار الانترنت، إذ سيتطلب ذلك دمارًا على نطاقٍ واسعٍ يجعل فقدان الانترنت آخر مخاوفنا، ولكن ماذا لو انهار بالفعل؟ هل ستتغير الحياة بشكلٍ جذري أم سنتكيف مع ذلك بسرعة معتمدين على طرق التواصل القديمة؟
انهيار الانترنت وأخطاء الاتصال
سيبدو لنا العالم دون إنترنت غريبًا جدًا، وقد تصبح خدمات أساسية كالرسائل النصية أو خدمات الهاتف الجوال غير متوافرةٍ، اعتمادًا على طبيعة الكارثة وكيف عرفت الانترنت، ذلك لأن البنية التحتية لتلك الخدمات هي أيضًا جزءٌ من البنية التحتية للانترنت، وحتى الهواتف الأرضية من الممكن أن تتعطل في الحالات القصوى لهذا الموقف، إذ أنها جزءٌ من البنية التحتية لشبكة الانترنت أيضًا.

وقد لاتتوافر القنوات التلفزيونية وخدمات القمر الصناعي،ولن قد تتمكن من الوصول لبرامج تلفازٍ ترسل عبر أبراج البث إن كنت تملك هوائي، ولكن إن كانت أنظمة التلفاز والقمر الصناعي جزءًا من الانهيار العام، فإنك ستفقد إمكانية الوصول لمعظم القنوات، إذ أننا سنقتصر على كتابة الرسائل وإرسالها عبر مكتب البريد للتواصل مع عائلاتنا وأصدقائنا والعالم.
كما سيكون من الصعب نقل الملفات بين أجهزة الحاسوب، فستحتاج إما لتخزين الملفات على وسيطٍ ماديٍ كقرصٍ مضغوط، أو أنك لوصل الجهازين بسلكٍ ما، فلن تعمل المشاريع المعتمدة على الحوسبة الشبكية لإجراء الحسابات المعقدة، كما ستفشل خدمات الحوسبة السحابية، وسيكون من الصعب الوصول للمعلومات المخزنة على هذه الخدمات.

الانهيار الاقتصادي الناتج عن انهيار الانترنت
إن انهار الانترنت بطريقةٍ ما فعلًا، سيكون تأثير ذلك على الاقتصاد كارثيًا، وفي حين أن خسارة خدماتٍ كالخدمات المصرفية الالكترونية وPayPalسيكون مزعجًا، إلا أن التأثيرات ستمتد لما هو أبعد من ذلك، ففكر مثلًا بالأعمال التي تعتمد على الانترنت، فكل موقعٍ الكترونيٍ سيكون خارج الخدمة، وشركات ضخمة كجوجل وأمازون ستلغق وتهجر فوريًا، كما أن شركاتٍ أخرى كمايكروسوفت ستشهد على اختفاء قطاعات كبيرةٍ من عملياتها، وحتى أن الشركات التي تستخدم المواقع الالكترونية كوسيلةٍ للإعلان ستتأثر بشكلٍ سلبي.

وستخرج شركاتٌ عدة من السوق على افتراض أن الانهيار كان دائمًا، وعليه سيخسر مئات الأشخاص وظائفهم، فجوجل وحدها على سبيل المثال توظف قرابة 20 ألف شخص، ومع شركاتٍ تقيل موظفيها، سيزدحم السوق بالأشخاص العاطلين عن العمل، إلا أن بعض الدولٍ ستتأثر وتشعر بالأزمة أكثر من غيرها، فستواجه الدول المتقدمة أزمات اقتصادية شديدةٍ، إذ ستكون كل قطاعات الصناعة إما اختفت أو تخبطت للنجاة بسبب الخسائر المدمرة، ولكن دولًا أخرى لن تعاني من آثار انهيار الانترنت بسبب عدم امتلاكها لذلك الحضور عليه، ولكنهم سيعانون أيضًا في ظل انخفاض التجارة والمساعدة التي يعتمدون عليها من دولٍ متصلةٍ أخرى، فستبقى أنواع قليلةٌ جدًا من الأعمال غير متأثرة بانهيار الانترنت.

الأزمات الاقتصادية بعد انهيار الانترنت
ربما سيكون انهيار الانترنت الأزمة الأساسية التي ستواجهها الحكومات عقب انهيار الانترنت، ولكن هذه المشكلة ستمتد إلى قادة العالم أيضًا.
إذ يوجد توجه للولايات المتحدة الأمريكية نحو تطوير شبكات الكهرباء في جميع أنحاء إلى البلاد إلى شبكات ذكية تستطيع التجاوب مع متطلبات المستخدمين بكفاءةٍ أكبر نظريًا، فمن المخطط أنها ستحافظ على الطاقة وتتصل ببعضها بواسطة شبكة الانترنت، وسيقلل هذا النظام من انقطاع التيار الكهربائي ومشاكل أخرى، ولكن إن انهار الانترنت ستتعطل تلك الشبكة الذكية، وسيتسبب ذلك بانقطاع كهرباءٍ هائلٍ عبر أي بلدٍ يستخدم نظامًا كهذا.
وبانتشار استخدام الانترنت، فإن الدول استخدمته لجمع المعلومات الاستخباراتية والتجسس على بعضها البعض، فسيكون خسران الانترنت ضربةً هائلةً للوكالات الاستخباراتية، إذ ستغدو مشاركة المعلومات بطيئةً وصعبة، وقد تستجيب بعض الحكومات لذلك بتهورٍ، فمن المستحيل توقع كيف ستستجيب كل حكومة، ولكنه ليس من الصعب تخيل سلسلةٍ من الأحداث التي قد تتصاعد لصراع.
وبافتراض حفاظ قادة العالم على النظام، ومقاومتهم للرغبة الملحة بتفجير بعضهم، إلا أنه ستظهر مشاكل أخرى، إذ أصبح الانترنت جزءًا مهمًا من البرامج التعليمية، وسيترك فقدان الانترنت فجواتٍ تحتاج مصادر أخرى لسدها، ومن المعلوم أن المصادر تكلف مالًا، وهو الشيء الذي سيكون توافره أمرًا صعبًا في ظل محاولة الأسواق حول العالم التحسن من الخسائر الفادحة.
أما عن المؤسسات العسكرية وبعض منشآت الأبحاث في الولايات المتحدة، فهي جزءٌ من من شبكاتٍ تشبه الانترنت ولكنها تقنيًا ليست جزءًا من الانترنت بحد ذاته، فستكون بعض الاتصالات الالكترونية ونقل البيانات ممكنة على الأقل إن لم تتأثر تلك الشبكات، ولكن إن امتدت أزمتنا الخيالية هذه لتلك الشبكات الحاسوبية، ستكون الدولة عرضًة لجميع أنواع الهجمات.

ولكن هل انهيار الانترنت ممكن فعلًا؟
إليك الخبر الجيد- إن انهيارًا كاملًا لشبكة الانترنت سيكون شبه مستحيل، فالانترنت ليس صندوقًا سحريًا بزر تشغيلٍ وإطفاء حتى أنه ليس شيئًا ملموسًا، فهو مجموعة من الأشياء الملوسة المتغيرة باستمرار، وهو ليس الكيان نفسه من لحظةٍ إلى أخرى – فالآلات بانضمامٍ ومغادرةٍ مستمرة للشبكة.
ومن الممكن خروج أجزاء من الانترنت من الخدمة ويحدث هذا دائمًا في الحقيقة، سواء أكان خادمًا معينًا الذي خرج من الخدمة ويحتاج إلى إعادة تشغيلٍ أو تبديل، أم سلكًا تحت المحيطات مزقته مرساة، إذ يوجد أحداث عدةً من الممكن أن تعيق خدمة الانترنت، ولكن التأثيرات تميل إلى أن تكون معزولةً ومؤقتة.

وفي حين وجود دعامة أو ركيزة لشبكة الانترنت – وهي مجموعةٌ من الأسلاك والخوادم التي تنقل جزءًا كبيرًا من البيانات عبر الشبكات المختلفة، فهي غير مركزية، فلا يوجد قابسٌ معين لسحبه من مقبس، أو سلكٍ يمكنك قطعه، بإمكانه تعطيل الانترنت، إذ يتطلب اختبار شبكة الانترنت لانهيارٍ عالمي، إما توقف عمل البروتوكولات التي تسمح للآلات بالتواصل لسببٍ ما، أو تأثر البنية التحتية بحد ذاتها بضرر جسيم.
وبما أنه لا يوجد احتمالٌ لتوقف عمل البوتوكولات بشكلٍ مفاجئ، يمكننا استبعاد ذلك في نهاية المطاف، ولكن ما قد يحدث في أسوء سيناريو، هو اصطدام كويكبٍ أو مذنبٍ بالأرض بقوةٍ كافيةٍ لتدمير جزءٍ معتبرٍ من البنية التحتية لشبكة الانترنت، إذ يمكن لكميات كبيرةٍ من إشعاع غاما أو تقلباتٍ كهرومغناطيسية منبعثةٍ من الشمس مثلًا أن تفي بالغرض، ولكن ستصبح الأرض في تلك الحالات مكانًا لا يصلح للعيش، ولن يهم كثيرًا عندها إن كنت ستستطيع الوصول لحسابك في MySpace مثلًا أم لا.
ويمكن النظر بطريقةٍ إيجابية للأمر بأن الرجال والنساء الذين ساعدوا في تصميم شبكة الانترنت، خلقوا آداةً رائعة ثابتة ومستقرةً بشكلٍ مذهل، فحتى لو مرت أجزاء من الشبكة بمشاكل تقنية، ستكمل الأجزاء الأخرى الأعمال كالمعتاد، وفي حين يمكن لانهيار الانترنت أن يكون حدثًا كارثيًا، إلا أنه ليس شيءٌ لتقلق حياله.

قصي أبوشامة

قصي أبوشامة

قصي أبوشامة
مهندس مدني من الأردن، أسعى إلى زيادة الوعي في التقدم المعرفي والمنهج العلمي وتعزيز بنية الفرد العربي ثقافياً وإنسانياً

الاطلاع على جميع المقالات

اضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة مؤخرا

error: Content is protected !!