“يستطيع المرء أن يضع حدّاً لحياته لكنّه لا يستطيع أن يضع حدّاً لخلوده” ميلان كونديرا الكاتب التشيكي ولد عام 1929، درس علم الموسيقى والسينما والأدب، غادر بلده بعد الغزو السوفيتي عام 1975، وحصل على الجنسية الفرنسية بعد اسقاط الجنسية التشيكية عنه عام 1981، حائزٌ على جائزة الإندبندنت لأدب الخيال الأجنبي 1991.
الروائي والفيلسوف الذي اتخذ من الفرنسية لغة لأدبه فتفوق على نفسه وكتب الأدب والشعر بها وكأنهالغته الأم، تأثر كحال غيره من فلاسفة وأدباء القرن العشرين بنيتشه، فقدم في رواياته تأملات فلسفية تنضوي في خانة فكرة العود الأبدي لنيتشه.

رواية الخلود كانت من التجليات المهمة لفكره وفلسفته، فلا تكاد تقرأ منها سطرًا دون أن تعيد التفكير فيه، يستفزنا ببعض الأفكار الغريبة، حيث لا يرى كونديرا في الخلود ما نراه، بل يرى أن من يصنع خلودنا هو نظرة الناس لنا حيث: “تكفي عبارة سيئة النية لكي تحولك إلى الأبد إلى كاريكاتير يدعو للرثاء”، يذكر لنا أمثلة حول فكرته، منها حادثة طريفة عن فيلسوف أراد دخول الحمام فخجل، ثم انفجرت مثانته، نسي الناس كل ما حول هذا الرجل وأصبح خلوده عبارة عن الرجل الذي انفجرت مثانته،ويستخف الكاتب بمن يحلم بالخلود ويحاول صنعه، يقدم لنا اجتماعًا قيمًا بين العملاق ينهمنغواي وغوته، ومحادثات لا تنسى حول ماهية الخلود وحتميته.

في نظرته إلى الأنا يقول: “أنانا مجرّد مظهر مبهم يتعذّر الإمساك به ووصفه، في حين أنّ الواقع الوحيد الذي يسهل الامساك به ووصفه هو صورتنا في عيون الآخرين”، لذا مهما ادعى الانسان أنه مستقل، في النهاية سوف يتسأل كيف يراه الناس، تنساب الرواية بأفكارها الغنية بسلاسة كبيرة، يوحي لنا الكاتب بأن الرواية ليست طريقًا نسير فيه لنصل هدفًا ما، بل هي دربٌ كل جزء منها يجب التوقف عنده وتأمله، فالطريق تربط بين نقطتين والدرب رحلة لا يهم إلى أين تقودنا، “اختفت الدروب من روح الإنسان حتى قبل أن تختفي من المنظر: لم يعد الإنسان يرغب بالسير في الدروب واستخلاص المتعة من ذلك، لم تعد حياته درباً أيضاً، بل طريقاً: خطاً يقود من نقطة إلى أُخرى، من رتبة نقيب إلى رتبة لواء، من زوجة إلى أرملة، تحوَّل وقتُ العيش إلى مجرد عقبةٍ يجب تجاوزها بسرعة متزايدة باستمرار”.

يركز كونديرا على أهمية الإحساس، فيربط الوجود به، “أنا أحس، أنا موجود”، وفي نفس الوقت يربط إحساس الألم بالأنانية فيعتبره المدرسة الكبرى للأنانية، فهو لا يرى تميز الانسان وفرادته بالفكر، فكلنا نفكر بذات الأشياء تقريبًا، لكن حين نتألم فالألم يخصنا وحدنا.
يصعب على مقال الإحاطة بكل ما تحمله هذه الرواية من فكر وجمالية، فهي تعد من أهم روايات كونديرا الغنية والعميقة التي تدرس سلوك الانسان وكينونته بطريقة خفيفة وسلسة، لذا فلتكن دربًا ممتعة.

أليسار مصطفى العبيد

أليسار مصطفى العبيد

الاطلاع على جميع المقالات

تعليق واحد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة مؤخرا

error: Content is protected !!